﴿ وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾، أي : متى يوم القيامة ومتى هذا العذابُ الذي تعدوننا به؟.
قال أبو مسلم : إنه تعالى قال :﴿ وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ بلفظ المستقبلِ، وهذا يحتمل ما يوجد من الكفار من هذا القول في المستقبل، ويحتمل الماضي، والتقدير : وكانوا يقولون : متى هذا الوعد، ولعلهم كانوا يقولون ذلك سخرية، واستهزاء، وكانوا يقولونه إيهاماً للضعفة، ثم إنه تعالى أجاب عن هذا السؤالِ، فقال ﴿ إِنَّمَا العلم عِنْدَ الله ﴾، أي : قل لهم يا محمد : علم وقت قيام الساعة عند الله فلا يعلمه غيره، نظيره :﴿ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي ﴾ [ الأعراف : ١٨٧ ] الآية ﴿ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ أي : مخوف ومعلم لكم، ثم إنه تعالى بين حالهم عند ذلك الوعد وهو قوله :﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ ﴾، أي : الموعود، أو العذاب زلفة، أي : قريباً، فهو حال.
وقال القرطبيُّ :« مصدر، بمعنى مزدلفاً، أي : قريباً، قاله مجاهد ».
ولا بد من حذف مضاف، أي : ذا زلفة، وجعل الزلفة مبالغة.
وقيل :« زُلْفَة » تقديره : مكاناً ذا زلفةٍ، فينتصب انتصاب المصدرِ.
فصل في المراد بالعذاب.
قال الحسنُ : عياناً. وأكثر المفسرين على أن المراد عذابُ الآخرةِ.
وقال مجاهدٌ : عذاب يوم بدر.
وقيل : رأوا ما يوعدون من الحشر قريباً منهم، لقوله ﴿ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾.
وقال ابن عباس : يعني علمهم الشيء قريباً.
قوله :« سِيئَتْ »، الأصل :« ساء » أحزن وجوههم العذاب، ورؤيته، ثم بني للمفعول، وساء هنا ليست المرادفة ل « بئس » كما تقدم مراراً.
وأشم كسرة السين الضم : نافع وابن عامر والكسائي، كما فعلوا ذلك في ﴿ سياء بِهِمْ ﴾ [ هود : ٨٧ ] في « هود » كما تقدم. والباقون : بإخلاص الكسر، وتقدم تحقيق هذا وتصريفه في أول « البقرة »، وأن فيه لغات عند قوله ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ﴾ [ البقرة : ١١ ].
فصل في معنى الآية
قال ابن عباس :« سِيْئَتْ » أي : اسودت وعليها الكآبة والغبرة.
يقال : ساء الشيءُ يسوء، فهو مسيء إذا قبح، وساء يساء إذا قبح، وهو فعل لازم ومتعدّ ومعنى ﴿ سِيئَتْ وُجُوهُ ﴾، أي : قبحت، بان عليها الكآبةُ، وغشيها الكسوفُ والقترة وكلحوا.
قال الزجاج : تبين فيها السوء، أي : ساءهم ذلك العذاب وظهر على وجوههم سمة تدل على كفرهم، كقوله تعالى ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ [ آل عمران : ١٠٦ ].
قوله :﴿ وَقِيلَ هذا الذي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ ﴾، أي : قال لهم الخزنة.
قال الفراء :« تفتعلون » من الدعاء. وهو قول أكثر العلماءِ، أي : تتمنون، وتسألون.
وقال ابن عباس : تكذبون، وتأويله : هذا الذي كنتم من أجله تدعون الأباطيل والأحاديث قاله الزجاج.
وقرأ العامة : بتشديد الدال مفتوحة.
فقيل : من الدعوى، أي : تدعون أنه لا جنة ولا نار، قاله الحسنُ.