وقال : يَوْمُ الأربعاء يَوْمُ نَحْسٍ مُسْتَمِرّ. ومعلوم أنه لم يرد أنه نحس على المصلحين بل على المفسدين، كما كانت الأيام النحسات على الكُفار، لا على نبيهم والمؤمنين.
واعلم أنه تعالى قال ههنا : إِنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً وقال في الذاريات :﴿ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الريح العقيم ﴾ [ الذاريات : ٤١ ] فعرَّف الريح هناك، ونكَّرَها ههنا؛ لأن العقم في الريح أظهر من البَرْد الذي يضرّ النبات أو الشدة التي تَعْصِفُ الأشجار، لأن الريح العقيم هي التي لا تُنْشِىء سحاباً، ولا تُلَقِّح شجراً وهي كثيرة الوقوع، وأما الريح المهلكة الباردة فقلما تُوجَد فقال : الريح العقيم أي هذا الجنس المعروف.
ثم زاده بياناً بقوله :﴿ مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كالرميم ﴾ [ الذاريات : ٤٢ ] فتميزت عن الريح العقيم، وأما الصرصر فقليلة الوقوع فلا تكون مشهورة فنكَّرها.
قوله :﴿ فِي يَوْمِ نَحْسٍ ﴾ العامة على إضافة يَوْم إلى نَحْسٍ - بسكون الحاء - وفيه وجهان :
أحدهما : أنه من إضافة الموصوف إلى صفته.
والثاني - وهو قول البصريين - أنه صفة لموصوف محذوف أي يوم عذاب نحس.
وقرأ الحسن - ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) بتَنْوِينه ووصفه بنَحْسٍ ولم يقيِّده الزمخشري بكسر الحاء. وقيده أبو حيان. وقد قرىء قوله :﴿ في أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ ﴾ [ فصلت : ١٦ ] بسكون الحاء وكسرها، وتنوين « أيام » عند الجميع ما تقدم تقريره، و « مُسْتَمِرٍّ » صفة « ليوم » أو « نحس ». ومعناه كما تقدم أي عليهم حتى أهلكهم، أو من المرارة. قال الضحاك : كان مراً عليهم وكذا حكى الكسائي أن قوماً قالوا هو من المرارة يقال : مَرَّ الشَّيْءُ، وأَمَرَّ أي كان كالشيء المر تكرهه النفوس، وقد قال :﴿ فَذُوقُواْ ﴾ [ آل عمران : ١٠٦ ] والذي يُذَاقُ قَدْ يكونُ مُرًّا.
قوله :( تَنْزِعُ النَّاسَ ) في موضع نصب إما نعتاً ل « رِيحاً » وإما حالاً منها لتخصصها بالصفة؛ ويجوز أن تكون مستأنفة. وقال :« الناس » ليعم ذَكَرَهُمْ وأنثاهم، فأوقع الظاهر موقع المضمر لذلك فالأصل تَنْزِعُهُمْ.
فصل
قال تعالى هنا :﴿ فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ ﴾ وقال في السجدة :﴿ فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ ﴾ [ فصلت : ١٦ ] وقال في الحاقة :﴿ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً ﴾ [ الحاقة : ٧ ]. والمراد من اليوم هنا الوقت والزمان كما في قوله :﴿ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً ﴾ [ مريم : ٣٣ ]. وقوله « مُسْتَمِرّ » يفيد ما يفيده الأيام؛ لأن الاستمرار ينبىء عن امتداد الزمان كما تنبىء عَنْهُ الأيام. والحكاية هنا مذكورة على سبيل الاختصار فذكر الزمان ولم يذكر مقداره على سبيل الإيجاز.
قوله :« كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ » حال من الناس مقدرةً، و « مُنْقَعِرٍ » صفة للنَّخل باعتبار الجنس، ولو أنث لاعتبر معنى الجماعة كقوله :﴿ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾ [ الحاقة : ٧ ]. وقد مضى تحقيق اللغتين فيه.
وإنما ذكر هنا وأنث في الحاقة مراعاةً للفواصل في الموضعين. وقرأ أبو نُهَيْكٍ :« أَعْجُزُ » على وزن أفْعُلٍ نحو : ضَبُع وأَضْبُع.