قوله :﴿ فَلاَ تُطِعِ المكذبين ﴾ نهاه عن ممايلة المشركين وكانوا يدعونه إلى أن يكف عنهم ليكفوا عنه، فبين الله تعالى أن ممايلتهم كفر، وقال تعالى :﴿ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٧٤ ] وقيل : فلا تطع المكذبين فيما دعوك إليه من دينهم الخبيث، نزلت في مشركي قريش حين دعوه إلى دين آبائه.
قوله :﴿ وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾.
المشهور في قراءة الناس ومصاحفهم :« فَيُدهِنُونَ » بثبوت نون الرفع وفيه وجهان : أحدهما : أنه عطف على « تُدهِنُ » فيكون داخلاً في حيز « لَوْ ».
والثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر، أي : فهم يدهنون.
وقال الزمخشريُّ :« فإن قلت : لم رفع » فَيُدْهنُونَ « ولم ينصب بإضمار » أن « وهو جواب التمني؟.
قلت : قد عدل به إلى طريق آخر وهو أن جعل خبر مبتدأ محذوف، أي فهم يدهنون، كقوله :﴿ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً ﴾ [ الجن : ١٣ ] على معنى ودوا لو تدهن فهم يدهنون حينئذ، أو ودوا إدهانك، فهم الآن يدهنون لطمعهم في إدهانك قال سيبويه : وزعم هارون أنها في بعض المصاحف : ودُّوا لو تُدهِنُ فيُدْهِنُوا »
انتهى.
وفي نصبه على ما وجد في بعض المصاحف وجهان :
أحدهما : أنه عطف على التوهم، كأنه توهم أن نطق ب « أنْ » فنصب الفعل على هذا التوهم وهذا إنما يجيء على القول بمصدرية « لَوْ »، وفيه خلاف تقدم تحقيقه في « البقرة ».
والثاني : أنه نُصِبَ على جواب التمني المفهوم من « ودّ ».
والظاهر أن « لَوْ » حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، وأن جوابها محذوف ومفعول الودادة أيضاً محذوف، تقديره : ودوا إدهانك، فحذف إدهانك، لدلالة « لَو » وما بعدها عليه وتقدير الجواب : لسروا بذلك.

فصل في معنى الآية


قال ابن عباس وعطية والضحاك والسديُّ : ودوا لو تكفر فيتمادون على كفرهم، وعن ابن عباس أيضاً : ودوا لو ترخص لهم فيرخصون لك.
وقال الفراء والكلبي : لو تلين فيلينون لك. والإدهان : التليين لمن لا ينبغي له التليين. قاله الفراء والليث.
وقال مجاهدٌ : ودوا لو ركنت إليهم وتركت الحق فيمالئونك.
وقال الربيع بن أنس : ودوا لو تكذب، فيكذبون.
وقال قتادة : ودوا لو تذهب عن هذا الأمر فيذهبوا.
وقال الحسنُ : ودوا لو تصانعهم في دينك فيصانعونك في دينهم، وعنه أيضاً : ودوا لو ترفض بعض أمرك فيرفضون بعض أمرهم.
وقال زيد بن أسلم : ودّوا لو تنافق وترائي، فينافقون ويراءون.
وقيل : ودُّوا لو تضعف فيضعفون. قاله أبو جعفر.
وقال القتيبي : ودوا لو تداهن في دينك فيداهنون في أديانهم، وعنه : طلبوا منه أن يعبد آلهتهم مدة ويعبدوا إلهه مدة.


الصفحة التالية
Icon