وهذان القولان الأخيران هما المتقدمان في معنى ﴿ لَوْ تَكْفُرُونَ ﴾ [ النساء : ٨٩ ] ومعنى : لو تصانعهم وقال ابن العربي : ذكر المفسرون فيها نحو عشرة أقوالٍ، كلها دعاوى على اللغة والمعنى، وأمثلها قولهم « ودُّوا لو تكذبُ فيكذبون، ودوا لو تكفر فيكفرون ».
وقال القرطبيُّ : كلها إن شاء الله تعالى صحيحة على مقتضى اللغة والمعنى، فإن الإدهان اللين والمصانعة.
وقيل : المقاربة في الكلام والتليين في القول، وقال المفضل : النفاق وترك المناصحةِ، فهي على هذا الوجه مذمومة، وعلى الوجه الأول غير مذمومة وكل شيء منها لم يكن.
وقال المبردُ : أدهن في دينه، وداهن في أمره أي : خان فيه وأظهر خلاف ما يضمر.
وقال قوم : داهنت بمعنى واريت، وأدهنت بمعنى غششت، قاله الجوهري، وقوله « فيُدْهِنُونَ » ساقه على العطف، ولو جاء به جواباً للنهي لقال :« فيُدْهِنُوا »، وإنما أراد أنهم تمنوا لو فعلت فيفعلون مثل فعلك عطفاً لا جزاء عليه ولا مكافأة، وإنما هو تمثيل وتنظير.
قوله :﴿ وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ ﴾.
قال السديُّ والشعبي وابن إسحاق : يعني الأخنس بن شريق.
وقال مجاهدٌ : يعني الأسود بن عبد يغوث، أو عبد الرحمن بن الأسود.
وقال مقاتل : يعني الوليد بن المغيرة عرض على النبي ﷺ مالاً، وحلف أنه يعطيه إن رجع عن دينه.
وقال ابن عباس : هو أبو جهل بن هشام.
والحلاف : الكثير الحلف. و « المَهين » قال مجاهد : هو الضعيف القلب.
وقال ابن عباس : هو الكذاب، والكذاب مهين.
وقال الحسن وقتادة : هو المكثار في الشر.
وقال الكلبي : المهين : الفاجر.
وقال عبد الله : هو الحقير.
وقال ابن بحر : هو الذليل.
وقال الرماني : هو الوضيع لإكثاره من القبيح.
وهو « فعيل » من المهانة بمعنى القلة، وهي هنا القلة في الرأي والتمييز، أو هو « فعيل » بمعنى « مُفْعَل » والمعنى « مُهَان ».
قوله ﴿ هَمَّازٍ ﴾، الهماز : مثال مبالغة من الهمز، وهو في اللغة الضرب طعناً باليد والعصا، واستعير للمغتاب الذي يغتاب الناس كأنه يضربهم بإيذائه.
قال ابن زيد : الهمَّاز : الذي يهمز الناس بيده ويضربهم، واللمّاز : باللسان.
وقيل الهمَّاز الذي يذكر الناس في وجوههم، واللمَّازُ : الذي يذكرهم في مغيبهم.
وقال مقاتل بالعكس، وقال مرة : هما سواء، ونحوه عن ابن عباس وقتادة.
قال الشاعر :[ البسيط ]

٤٨١١ - تُدْلِي بودٍّ إذَا لاقَيْتنِي كَذِباً وإنْ تغَيَّبْتُ كُنْتَ الهَامِزَ اللُّمَزَهْ
والنميم : قيل : هو مصدر النميمة.
وقيل : هو جمعها أي اسم جنس ك « تمرةٍ وتمرٍ »، وهو نقل الكلام الذي يسوء سامعه، ويحرش بين الناس.
وقال الزمخشري : والنميم والنميمة : السعاية، وأنشدني بعض العرب :[ الرجز ]
٤٨١٢ - تَشَبَّبِي تَشَبُّبَ النَّميمهْ تَمْشِي بِهَا زَهْراً إلى تَمِيْمَه
والمشاء : مثال مبالغة من المشي، أي : يكثر السعاية بين الناس ليفسد بينهم، يقال : نَمَّ يَنِمُّ نميماً ونَمِيمَة، أي : يمشي ويسعى بالفسادِ.


الصفحة التالية
Icon