قاله الفارسي.
وهذا لا يجوز عند البصريين، وكأن الفارسي اغتفره في الجار.
الثالث : أن يتعلق ب « زَنِيمٍ »، ولا سيما عند من يفسره بقبيح الأفعال.
الرابع : أن يتعلق بمحذوف يدل عليه ما بعده من الجملة الشرطية تقديره لكونه متمولاً، مستظهراً بالبنين كذب بآياتنا، قاله الزمخشريُّ.
قال : ولا يعمل فيه، قال : الذي هو جواب « إذا » لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله، ولكن ما دلت عليه الجملةُ من معنى التكذيب.
وقال مكيٌّ، وتبعه أبو البقاء :« لا يجوز أن يكون العامل » تُتْلَى « لأن ما بعد » إذَا « لا يعمل فيما قبلها، لأن » إذَا « تضاف إلى الجمل، ولا يعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف » انتهى.
وهذا يوهم أن المانع من ذلك ما ذكره فقط، والمانع أمرٌ معنوي، حتى لو فقد هذا المانع الذي ذكره لامتنع من جهة المعنى، وهو لا يصلح أن يعلل تلاوة آياتِ اللَّهِ عليه بكونه ذا مالٍ وبنين.
وأما قراءة « آنْ كان » على الاستفهام، ففيها وجهان :
أحدهما : أن يتعلق بمقدر يدل عليه ما قبله، أي : أتطيعه لأن كان، أو الكون طواعية لأن كان.
والثاني : أن يتعلق بمقدر يدل عليه ما بعده، أي : لأن كان كذب وجحد.
وأما قراءة « إنْ كَانَ » - بالكسر - فعلى الشرط، وجوابه مقدر، تقديره : إن كان كذا يكفر ويجحد، دل عليه ما بعده.
وقال الزمخشريُّ : والشرط للمخاطب، أي : لا تطع كل حلاف شارطاً يساره، لأنه إن أطاع الكافر لغنائه فكأنه اشترط في الطاعة الغنى، ونحو صرف الشرط للمخاطب صرف الترجي إليه في قوله ﴿ لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى ﴾ [ طه : ٤٤ ].
وجعله أبو حيَّان من دخول شرط على شرط، يعني « إن، وإذا » إلا أنه قال : ليسا من الشروط المترتبة الوقوع. وجعل نظير ذلك قول ابن دُريْدٍ :[ الرجز ]

٤٨١٧ - فإن عَثَرتُ بعْدها إنْ وألَتْ نَفْسِيَ مِنْ هَاتَا فَقُولاَ لاَ لَعَا
قال :« لأن الحامل على تدبر آياتِ اللَّهِ كونه ذا مالِ وبنينَ، وهو مشغول القلب بذلك غافل عن النظر قد استولت عليه الدُّنيا وأنظرته ».
وقرأ الحسن بن أبزى : بالاستفهام، وهو استفهام تقريعٍ وتوبيخٍ، على قوله حين تليت عليه آيات الله :﴿ أَسَاطِيرُ الأولين ﴾.

فصل في توجيه قراءة الآية


قال القرطبيُّ : فمن قرأ بهمزة مُطوَّلةٍ، أو بهمزتين محققتين، فهو استفهام والمراد به التوبيخ، ويحسن له أن يقف على « زَنِيمٍ »، ويبتدىء « أنْ كَانَ » على معنى : لأن كان ذا مال وبنين تطيعه، ويجوز أن يكون التقدير : لأن كان ذا مال وبنين يكفر ويستكبر، ودل عليه ما تقدم من الكلامِ، فصار كالمذكور بعد الاستفهام، ومن قرأ « أن كَانَ » بغير استفهام، فهو مفعول من أجله، والعامل فيه فعل مضمر والتقدير : يكفر لأن كان ذا مال وبنين، ودل على هذا الفعل :﴿ إِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأولين ﴾ ولا يعمل في « أن » :« تُتْلَى » ولا « قَالَ »، لأن ما بعد « إذَا » لا يعمل فيما قبلها؛ لأن « إذَا » تضاف إلى الجمل التي بعدها، ولا يعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف و « قال » جواب الجزاء، ولا يعمل فيما قبل الجزاء، إذ حكم العامل أن يكون قبل المعمول فيه، وحكم الجواب أن يكون بعد الشرط، فيكون مقدماً مؤخراً في حالة واحدةٍ، ويجوز أن يكون المعنى : لا تطعه لأن كان ذا يسار وعدد.


الصفحة التالية
Icon