ومعنى :« لا يَسْتثْنُونَ » لا يستثنون للمساكين من جملة ذلك القدر الذي كان يدفعه أبوهم للمساكين، من الثني، وهو الكف والرد؛ لأنَّ الحالف إذا قال : واللَّهِ لأفعلن كذا إلا أن يشاء اللَّهُ غيره فقد رد انعقاد تلك اليمين.
وقيل : المعنى : لا يستثنون عزمهم عن الحرماتِ.
وقيل : لا يقولون، إن شاء الله.
قال الزمخشريُّ : وسمي استثناء وهو شرط؛ لأن معنى : لأخرجن إن شاء الله، ولا أخرج إلا أن يشاء الله واحد.
قوله ﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ ﴾. أي هلاك، أو بلاء طائف، والطائف غلب في الشر.
قال الفراء : هو الأمر الذي يأتي ليلاً.
ورد عليه بقوله ﴿ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشيطان ﴾ [ الأعراف : ٢٠١ ] وذلك لا يختص بليلٍ، ولا نهارٍ.
وقرأ النخعيُّ :« طَيْفٌ ».
قوله « مِن ربِّك ». يجوز أن يتعلق ب « طاف » وأن يتعلق بمحذوف صفة ل « طَائِفٌ ».
قوله :﴿ فَأَصْبَحَتْ كالصريم ﴾. والصرام : جذاذ النخلِ، وأصل المادة الدلالة على القطع، ومنه الصُّرم، والصَّرْم - بالضم والفتح - وهو القطيعة؛ قال امرؤ القيس :[ الطويل ]

٤٨٢١ - أفَاطِمُ مَهْلاً بَعْضَ هذا التَدلُّلِ وإنْ كنتِ قَدْ أزمَعْتِ صَرْمِي فأجْملِي
ومنه الصريمة، وهي قطعة منصرمة عن الرمل لا تنبت شيئاً؛ قال :[ البسيط ]
٤٨٢٢ - وبالصَّريمَةِ مِنْهُمْ مَنْزِلٌ خَلَقٌ عَافٍ تَغَيَّرَ، إلاَّ النُّؤيُ والوتِدُ
والصارم : القاطع الماضي، وناقة مصرمة : انقطع لبنها، وانصرم الشهر والسنة، أي : قرب انفصالهما، وأصرم زيد : ساءت حاله، كأنه انقطع سعده.
فقوله « كالصَّريمِ ». قيل : هي الأشجار المنْصَرِم حملها.
وقال ابن عباس : كالليل؛ لأنه يقال له : الصريم، لسواده، والصريم أيضاً : النهار وقيل : الصُّبحُ؛ لأنه انصرم من الليلة، قاله الأخفش. فهو من الأضداد.
وقال شمر : الصريم الليل، والصريم النهار.
وقيل : الصريم : رملة معروفة باليمنِ لا تنبت شيئاً.
وقال الثوريُّ : كالزرع المحصود، فالصريم بمعنى المصروم، أي : المقطوع ما فيه.
وقال الحسنُ : صرم عنها الخير، أي : قطع، فالصريم مفعول أيضاً.
وقال المؤرج : كالرملة انصرمت من معظم الرمل، يقال : صريمة وصرائم، فالرملة لا تنبت شيئاً ينتفع به.
وقيل : سمي الليل صريماً؛ لأنه يقطع بظلمته عن التصرف، ولهذا يكون « فَعِيْل »، بمعنى « فاعل ».
قال القشيريُّ : وفي هذا نظر؛ لأن النهار يسمى صريماً، ولا يقطع عن التصرف.
وقيل : سمي الليل صريماً؛ لأنه يصر نور البصر ويقطعه.

فصل في بيان أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان.


قال القرطبيُّ : في الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان. لأنهم عزموا على أن يفعلوا، فعوقبوا على فعلهم؛ ونظيره قوله تعالى :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [ الحج : ٢٥ ].
وفي الصحيح عن النبي ﷺ :


الصفحة التالية
Icon