« إذَا التَقَى المُسلِمَانِ بِسيْفِهِمَا فالقَاتِلُ والمَقْتُولُ في النَّارِ، قيل : يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال : إنَّه كَانَ حريصاَ على قَتْلِ صاحِبهِ » وقد مضى في آل عمران عند قوله :﴿ وَلَمْ يُصِرُّواْ على مَا فَعَلُواْ ﴾ [ آل عمران : ١٣٥ ].
قوله :﴿ فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ ﴾.
قال مقاتل : لما أصبحوا قال بعضهم لبعض :﴿ اغدوا على حَرْثِكُمْ ﴾ يعني بالحرث الثِّمار والزروع والأعناب، ولذلك قال :« صَارمِيْنَ »، لأنهم أرادوا قطع الثمار من الأشجار.
« أن اغْدُوْا » يجوز أن تكون المصدرية، أي : تنادوا بهذا الكلام، وأن تكون المفسرة، لأنه تقدمها ما هو بمعنى القول.
قال الزمخشريُّ :« فإن قلت : هلاَّ قيل : اغدوا إلى حرثكم، وما معنى على؟.
قلت : لما كان الغدو إليه ليصرموه، ويقطعوه كان غدواً عليه كما تقول : غدا عليهم العدو ويجوز أن يضمن الغدو معنى الإقبال كقولهم : يغدى عليهم بالجفنة ويراح »
انتهى.
فجعل « غَدَا » متعدياً في الأصل ب « إلى » فاحتاج إلى تأويل تعديه ب « عَلَى »، وفيه نظر؛ لورود تعديه ب « عَلَى » في غير موضع؛ كقوله :[ الوافر ]

٤٨٢٣ - وقَدْ أغْدُو على ثُبَةٍ كِرامٍ نَشَاوَى واجِدينَ لَمَا نَشَاءُ
وإذا كانوا قد عدوا مرادفه ب « عَلَى » فليعدوه بها، ومرادفه « بكر » تقول : بكرتُ عليه و « غدوتُ عليه » بمعنى واحد؛ قال :[ الطويل ]
٤٨٢٤ - بَكَرْتُ عَليْهِ غُدْوةً فَرأيْتُهُ قُعُوداً إليْهِ بالصَّريمِ عَواذِلُه
قوله ﴿ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ ﴾. جوابه محذوف، أي فاغدوا و « صارمين » : قاطعين حادين.
وقيل : ماضين العزم من قولك : سيف صارم.
قوله ﴿ فانطلقوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ ﴾. أي : يتشاورون فيما بينهم، والمعنى يخفون كلامهم، ويسرونه لئلا يعلم بهم أحد، قاله عطاء وقتادة.
وهو من خفت يخفت إذا سكت، ولم يبين.
قال ابن الخطيب :« وخَفَى وخَفَت، كلاهما في معنى الكتم، ومنه الخمود والخفاء ».
وقيل : يخفون أنفسهم من الناس، حتى لا يروهم، وكان أبوهم يخبر الفقراء والمساكين فيحضروا وقت الحصاد والصرام.
وقوله :﴿ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ ﴾ جملة حالية من فاعل « انْطَلقُوا ».
قوله :﴿ أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا اليوم عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ ﴾.
« أنْ » مفسرة، ويجوز أن تكون مصدرية، أي : يتخافتون بهذا الكلام، أي : يقوله بعضهم لبعض :﴿ لاَّ يَدْخُلَنَّهَا اليوم عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ ﴾.
قال ابن الخطيب : والنهي للمسكين عن الدخول نهيٌ لهم عن تمكينه منه، أي : لا تمكنوه من الدخول.
وقرأ عبد الله وابن أبي عبلة :« لا يدْخُلنَّهَا » بإسقاط « أنْ » إما على إضمار القولِ كمذهب البصريين، وإما على إجراء « يَتَخافتُونَ » مجراه كقول الكوفيين.
قوله :﴿ وَغَدَوْاْ على حَرْدٍ قَادِرِينَ ﴾.
يجوز أن يكون « قَادِريْنَ » حالاً من فاعل « غَدَوْا » و « عَلى حَرْدٍ » متعلق به وأن يكون « على حَردٍ » هو الحال و « قَادِريْنَ » إما حال ثانية، وإما حال من ضمير الحالِ الأول.


الصفحة التالية
Icon