قوله تعالى :﴿ الحاقة مَا الحآقة ﴾.
« الحاقة » مبتدأ، و « ما » مبتدأ ثانٍ، و « الحاقة » خبره، والجملة خبر الأول؛ لأن معناها « ما هي » واللفظُ استفهام، ومعناها التفخيم والتعظيم لشأنها.
قال ابن الخطيب : وُضِعَ الظاهرُ موضع المضمرِ؛ لأنه أهولُ لها، ومثله ﴿ القارعة مَا القارعة ﴾ [ القارعة : ١، ٢ ] وقد تقدَّم تحريرُ هذا في « الواقعةِ ».
و « الحاقَّة » فيها وجهان :
أحدهما : انه وصف اسم فاعل بمعنى أنها تبدي حقائق الأشياء.
وقيل : إن الأمر يحق فيها فهي من باب « ليل نائم، ونهار صائم » قاله الطبري.
وقيل : سميت حاقة؛ لأنها تكون من غير شكٍّ لأنها حقَّت فلا كاذبة لها.
وقيل : سميت القيامة بذلك؛ لأنها أحقت لأقوامٍ الجنَّة، وأحقَّت لأقوامٍ النَّار.
وقيل : من حق الشيء : ثبت فهي ثابتة كائنة.
وقيل : لأنها تحق كل محاق في دين الله أي : تغلبه، من حاققته، فحققته أحقه أي : غلبته.
وفي « الصحاح » : وحاقه، أي : خاصمه، وادعى كل واحد منهما الحقَّ، فإذا غلبه قيل : حقه، ويقال : ما له فيه حقٌّ، ولا حقاق أي : خصومة، والتحاق : والتخاصم، والاحتقاق : الاختصام، والحاقَّةُ والحقُّ والحقةُ ثلاثُ لغاتٍ بمعنًى.
وقال الكسائيُّ والمؤرج : الحاقَّةُ : يوم الحقِّ.
والثاني : أنه مصدر ك « العاقبة » و « العافية ».
قوله « ما الحَاقَّةُ » في موضع نصب على إسقاط الخافض، لأن « أدرى » بالهمزة يتعدى لاثنين، للأول : بنفسه، والثني : ب « الباء »، قال تعالى :﴿ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ ﴾ [ يونس : ١٦ ]، فلما وقعت جملة الاستفهام معلقة لها كانت في موضع المفعولِ الثاني، ودون الهمزة تتعدى لواحدٍ ب « الباء » نحو :« دريت بكذا » أو يكون بمعنى « علم » فيتعدّى لاثنين.
فصل في معنى « ما أدراك ».
معنى « ما أدراك »، أي شيء أعلمك ما ذاك اليوم، والنبي ﷺ كان عالماً بالقيامة، ولكن لا علم له بكونها وصفتها، فقيل ذلك تفخيماً لشأنها، كأنك لست تعلمُها، ولم تعاينها.
وقال يحيى بن سلام : بلغني أنَّ كل شيء في القرآن « ومَا أدْراكَ » فقد أدراه وعلمه، وكل شيء قال :« ومَا يُدْريكَ » فهو مما لم يعلمهُ.
وقال سفيان بن عيينة : كل شيء قال فيه :« وما أدْراكَ » فإنه أخبر به، وكل شيء قال فيه :« وما يُدريْكَ »، فإنه لم يخبر به.
قوله :﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بالقارعة ﴾.
« القارعةُ » القيامة، سميت بذلك [ لأنها ] تقرعُ قلوب العبادِ بالمخافةِ.
وقيل : لأنها تقرع الناس بأهوالها يقال : أصابتهم قوارعُ الدهرِ، أي : أهواله وشدائده وقوارضُ لسانه؛ جمع قارضة، وهي الكلمة المؤذيةُ، وقوارعُ القرآن : الآيات التي يقرؤها الإنسانُ إذا قُرعَ من الجن والإنس نحو آية « الكرسي » كأنَّه يقرع الشيطان.