قوله :﴿ وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ ﴾.
قرأ أبو عمرو والكسائيُّ : بكسر القاف، وفتح الباء، أي : ومن هو في جهته، ويؤيده قراءةُ أبي موسى :« ومن تلقاه ».
وقرأ أبيٌّ وعبد الله :« ومنْ مَعَه ».
والباقون : بالفتحِ والسكونِ على أنه ظرف، أي : ومن تقدمه.
والقراءة الأولى اختارها أبو عبيدة، وأبو حاتم اعتباراً بقراءة أبيّ، وعبد الله.
قوله :﴿ والمؤتفكات بِالْخَاطِئَةِ ﴾.
« المؤتفكات » : أهل قرى لوط.
وقراءة العامة : بالألف.
وقرأ الحسن والجحدريُّ :« والمُؤتَفكةُ » على التوحيد.
قال قتادةُ : إنما سُمِّيتْ قرى لوط « مُؤتفِكَات » لأنَّها ائتفكت بهم، أي : انقلبت.
وذكر الطبري عن محمد بن كعب القرظيِّ قال : خمس قريات :« صبعة، وصعرة وعمرة، ودوما، وسدوم »، وهي القرية العظمى.
وقوله :« بالخاطئة ». إما أن تكون صفة، أي : بالفعلة، أو الفعلات الخاطئة، وهي المعصية والكفر.
وقال مجاهد : بالخطايا كانوا يفعلونها.
وقال الجرجاني : بالخطأ العظيمِ، فيكون مصدراً ك « العاقبة » و « الكاذبة ».
قوله :﴿ فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ ﴾ إن عاد الضمير إلى فرعون، ومن قبله، فرسول ربِّهم موسى - ﷺ -.
وإن كان عائداً إلى أهلِ المؤتفكاتِ، فرسولُ ربِّهم لوط ﷺ.
قال الواحديُّ : والوجه أن يقال : المراد بالرسول كلاهما للخبر عن الأمتين بعد ذكرهما بقوله :« فَعَصَوْا » فيكون كقوله :﴿ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العالمين ﴾ [ الشعراء : ١٦ ]
قال القرطبي : وقيل :« رسول » بمعنى رسالة، وقد يعبر عن الرسالة بالرسول، كقوله :[ الطويل ]

٤٨٤٣ - لَقَدْ كَذَبَ الواشُونَ ما بُحْتُ عِندهُمْ بِسِرِّ ولا أرْسلتُهُمْ بِرسُولِ
قوله :﴿ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً ﴾، أي : عالية زائدة على الأخذات، وعلى عذاب الأمم، يقال : ربا الشيء يربوا إذا زاد، ومنه الرِّبا إذا أخذ في الذهب والفضة أكثر مما أعطي.
والمعنى : أنها كانت زائدة في الشدة على عقوبات سائر الكفار، كما أن أفعالهم كانت زائدة في القُبحِ على أفعال سائرِ الكفار.
وقيل : إن عقوبة آل فرعون في الدنيا متعلقة بعذاب الآخرة، لقوله :﴿ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً ﴾ [ نوح : ٢٥ ] وعقوبة الآخرة أشد من عقوبة الدُّنيا، فتلك العقوبة كأنها كانت تنمو وتربو. ثم ذكر قصة قومِ نوح، وهي قوله :
﴿ إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية ﴾، أي : ارتفع وعلا.
وقال عليٌّ رضي الله عنه : طَغَى على خُزَّانه من الملائكة غضباً لربِّه، فلم يقدروا على حبسه.
قال المفسرون : زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعاً.
وقال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنه : طغى الماءُ زمن نوحٍ على خزانه، فكثر عليهم فلم يدروا كم خرج، وليس من الماء قطرة تنزل قبله، ولا بعده إلا بكيل معلوم غير ذلك اليوم، وقد تقدم مرفوعاً أوَّل السورةِ، والمقصود من ذكر قصص هذه الأممِ، وذكر ما حل بهم من العذاب، زجر هذه الأمة عن الاقتداء بهم في معصية الرسولِ، ثم منَّ عليهم بأن جعلهم ذرية من نجا من الغرق بقوله :« حَمَلْناكُم » أي : حملنا آباءكم، وأنتم في أصلابهم، « فِي الجَاريَةِ » أي : في السفن الجاريةِ، والمحمولُ في الجارية إنَّما هو نوحٌ وأولاده، وكل من على وجه الأرض من نسل أولئك.


الصفحة التالية
Icon