قوله تعالى :﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ غلب من يعقل على غيره، وجميعهم مراد.
والضمير في « عليها » للأرض.
قال بعضهم : وإن لم يجر لها ذكر، كقوله :﴿ حتى تَوَارَتْ بالحجاب ﴾ [ ص : ٣٢ ].
ورد هذا بأنه قد تقدم ذكرها في قوله :﴿ والأرض وَضَعَهَا ﴾ [ الرحمن : ١٠ ].
وقيل : الضمير عائد إلى الجارية.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما نزلت هذه الآية قالت الملائكة : هلك أهل الأرض. فنزلت ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾ [ القصص : ٨٨ ] فأيقنت الملائكة بالهلاك. وقاله مقاتل.
ووجه النعمة في فناء الخلق : التسوية بينهم في الموت.
وقيل : وجه النِّعمة أن الموت سبب النَّقل إلى دار الجزاء والثواب.
قوله :﴿ ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ﴾ أي ويبقى الله، فالوجه عبارة عن وجود ذاته سبحانه وتعالى.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : الوجه عبارة عنه، كما قال ﴿ ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجلال والإكرام ﴾.
ويقال : هذا وجه الأمر، ووجه الصواب، وعين الصواب، ومعنى ﴿ ذو الجلال والإكرام ﴾ أي : هو أهل لأن يكرم، وهذا خطاب مع كل سامع.
وقيل : خطاب للنبي ﷺ.
فإن قيل : كيف خاطب الاثنين بقوله :﴿ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا ﴾.
وخاطب هاهنا الواحد فقال :﴿ ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ﴾، ولم يقل :« وجْه ربِّكُمَا »؟.
فالجواب : أن الإشارة هاهنا وقعت إلى فناء كل أحد، فقال :﴿ ويبقى وجه ربك ﴾ أيها السامع ليعلم كل أحد أن غيره فانٍ، فلو قال : ويبقى وجه ربكما، لكان كل أحد يخرج نفسه، ورفيقه المخاطب عن الفناء.
فإن قيل : فلو قال :« ويبقى وجه الرّب » من غير خطاب، كان أدَلَّ على فناء الكل؟.
فالجواب : إن كان الخطاب في الرب إشارة إلى اللطف، والإبقاء إشارة إلى القهر، والموضع موضع بيان اللطف، وتعديد النعم، فلهذا قال : بلفظ الرب وكاف الخطاب.
قوله تعالى :﴿ ذُو الجلال والإكرام ﴾.
العامة على « ذو » بالواو صفة للوجه، وأبي، وعبد الله :« ذي » بالياء صفة ل « ربّك ». وسيأتي خلاف القراء في آخر السورة إن شاء الله تعالى.
و « الجلال » : العظمة والكبرياء.
و « الإكرام » : يكرم أنبياء وأولياءه بلُطفه مع جلاله وعظمته.
قوله تعالى :﴿ يَسْأَلُهُ مَن فِي السماوات والأرض ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه مستأنف.
والثاني : أنه حال من « وجه »، والعامل فيه « يبقى » أي يبقى مسئولاً من أهل السموات والأرض.
وفيه إشكال؛ لأنه لما قال :﴿ ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ﴾ كان إشارة إلى بقائه بعد فناء من على الأرض، فكيف يكون في ذلك الوقت مسئولاً لمن في الأرض؟.
قال ابن الخطيب : والجواب من وجوه.
الأول : أنهم يفنون بالنظر إليه، لكنهم يبقون بإبقاءِ الله، فيصح أن يكون الله مسئولاً.


الصفحة التالية
Icon