الثاني : أن يكون مسئولاً معنًى لا حقيقة؛ لأنهم إذا فنوا فهم يسألونه بلسان الحالِ.
الثالث : أن قوله :« ويبقى » للاستمرار فهو يبقى ويعيد من كان في الأرض، ويكون مسئولاً.
الرابع : أنَّ السَّائلين هم الملائكة الذين هم في الأرض فأنهم فيها، وليسوا عليها، ولا يضرّهم زلزلتها، فعندما يفنى من عليها يبقى الله تعالى، ولا يفنى في تلك الحال الملائكة، فيسألونه ماذا نفعل؟ فيأمرهم بما يريد.

فصل في تحرير السؤال المقصود


وهذا السُّؤال إما استعطاف، وإما استعطاء، فيسأله كل أحد ما يحتاج إليه.
قال ابن عباس وأبو صالح : أهل السموات يسألونه المغفرة، ولا يسألونه الرزق، وأهل الأرض يسألونهما جميعاً.
قال ابن جريج : تسأله الملائكة الرزق لأهل الأرض، فكانت المسألتان جميعاً من أهل السماء، وأهل الأرض لأهل الأرض.
قال القرطبي : وفي الحديث :« إنَّ مِنَ الملائكةِ ملكاً لهُ أربعةُ أوجهٍ، وجهٌ كوجْهِ الإنسانِ وهو يَسْألُ اللَّه الرِّزْقَ لِبَنِي آدَمَ، ووجهُ كوجْهِ الأسَدِ وهو يسألُ الله الرِّزْقَ للسِّباع، ووجْه كوجه الثَّوْر وهو يسألُ الله الرِّزْق للبهَائِمِ، ووجْه كوجْهِ النَّسْر وهو يَسْأَلُ الله الرِّزْق للطَّيْرِ »
وقال ابن عطاء : إنهم يسألونه القوة على العباد.
قوله تعالى :﴿ كُلَّ يَوْمٍ ﴾ منصوب بالاستقرار الذي تضمنه الخبر، وهو قوله :« فِي شأن ».
والشأن : الأمر.

فصل في تفسير هذه الآية


روى أبو الدرداء عن النبي ﷺ قال :« » كُلَّ يوم هُوَ في شأنٍ « قال :» مِنْ شَأنِه أن يَغْفِرَ ذَنْباً، ويُفَرِّجَ كُرْبَةً، ويرفعَ أقواماً، ويضع آخرين « ».
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي ﷺ في قول الله تعالى :﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ قال : يَغْفِرُ ذَنْباً، ويكْشِفُ كَرْباً ويُجِيْبُ داعياً.
وقيل : من شأنه أنه يُحْيي ويميت، ويعزّ ويذلّ، ويرزق ويمنع.
وقال ابن بحر : الدّهر كله يومان :
أحدهما : مدة أيام الدنيا.
والآخر : يوم القيامة، فشأنه - سبحانه وتعالى - في أيام الدنيا الابتلاء والاختبار بالأمر والنهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع، وشأنه يوم القيامة : الجزاء والحساب والثواب والعقاب.
والظَّاهر أن المراد بذلك الإخبار عن شأنه في كل يوم من أيام الدنيا.
وقال عمرو بن ميمون : في قوله تعالى :﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ من شأنه أن يميت حيًّا، ويحيي ميّتًا ويقرّ في الأرحام، ويعز ذليلاً، ويذلّ عزيزاً.
وقيل : من شأنه أن يولج الليل في النهار، ويولج النَّهار في الليل، ويخرج الحي من الميت، ويشفي سقيماً، ويسقم سليماً، ويبتلي معافى ويعافي مُبْتلى، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويفقر غنيًّا، ويغني فقيراً.
وقال الكلبي : هو سوق المقادير المواقيت.
وعن عبد الله بن طاهر أنه دعا الحسين بن الفضل، وقال له : أشكلت عليّ ثلاث آيات، دعوتك لتكشفها لي قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon