قال ابن شجرة : أي : هو عالم بكل شيء من أعمالكم، ف « خَافِيَة » على هذا بمعنى « خفيَّة » كانوا يخفونها من أعمالهم، ونظيره قوله تعالى :﴿ لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْءٌ ﴾ [ غافر : ١٦ ].
قال ابن الخطيب : فيكون الغرضُ المبالغة في التهديدِ، يعني :« تُعرَضُون على من لا يخفى عليه شيء ».
وقيل : لا يخفى عليه إنسان لا يحاسب.
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : لا يَخْفَى المُؤمِنُ من الكافر، ولا البَرُّ من الفاجرِ.
وقيل : لا يتسر منكم عورة، لقوله ﷺ :« يُحْشرُ النَّاسُ حُفاةً عُراةً ».
قوله :﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ﴾، وهذا دليلٌ على النجاة.
قال ابن عباسٍ : أول من يُعْطَى كتابه بيمينه من هذه الأمة عمرُ بن الخطاب، وله شعاعٌ كشعاع الشمس، وقيل له : فأين أبو بكر، فقال : هيهات، زفَّته الملائكةُ إلى الجنَّة.
قال القرطبي : وقد ذكرناه مرفوعاً من حديث زيد بن ثابت بلفظه، ومعناه في كتاب « التذكرة ».
قوله :« هَاؤمَ »، أي : خذوا ﴿ اقرؤا كِتَابيَهْ ﴾ يقول ذلك ثقة بالإسلام وسروراً بنجاته؛ لأن اليمين عند العرب من دلائلِ الفرح.
قال الشاعر :[ الوافر ]
٤٨٤٨ - إذَا مَا رايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ | لقَّاهَا عَرابَةُ باليَميْنِ |
٤٨٤٩ - أبِينِي أفِي يُمْنَى يَدَيْكِ جَعَلْتِنِي | فأفْرَحُ أمْ صيَّدْتِنِي بِشمَالِكِ |
وقال مقاتلُ :« هَلُمَّ ».
وقيل : خذوا، ومنه الحديث في الربا :« إلا هَاء وهَاءَ »، أي : يقول كل واحد لصاحبه : خُذْ، وهذا هو المشهورُ.
وقيل : هي كلمةٌ وضعت لأجابة الدَّاعي عند الفرح، والنَّشاط.
وفي الحديث :« أنَّه نَاداهُ أعرَابِيٌّ بصَوْتٍ عَالٍ، فأجَابَهُ النبيُّ ﷺ » هَاؤمُ « يطول صوته. ».
وقيل : معناها « اقصدوا ».
وزعم هؤلاء أنها مركبة من هاء التنبيه، وأموا، من الأم، وهو القصدُ، فصيره التخفيف والاستعمال إلى « هاؤم ».
وقيل :« الميمُ » ضميرُ جماعةِ الذكور.
وزعم القتيبي : أنَّ « الهمزة » بدلٌ من « الكاف ».
فإن عنى أنها تحلُّ محلَّها فصحيح، وإن عنى البدل الصناعي فليس بصحيح.
فقوله :« هاؤم » يطلب مفعولاً يتعدى إليه بنفسه إن كان بمعنى :« خُذْ » أو « اقْصِد إليّ » إن كان بمعنى :« تَعَالَوْا »، و « اقرأوا » يطلبه أيضاً، فقد تنازعا في :« كِتَابِيَه » وأعمل الثاني للحذف من الأول.
وقد تقدم تحقيق هذا في سورة « الكهف ».
وفيها لغاتٌ : وذلك أنها تكون فعلاً صريحاً، وتكون اسم فعل، ومعناها في الحالين :« خذ » فإن كانت اسم فعلٍ، وهي المذكورة في الآية الكريمة، ففيها لغتان : المدّ والقصر تقول :« هَا درهماً يا زيدُ، وهاء درهماً »، ويكونان كذلك في الأحوال كلها من إفراد وتثنيةٍ وجمعٍ وتذكيرٍ وتأنيثٍ، ويتصل بهما كافُ الخطاب، اتصالها بإسم الإشارة، فتطابق مخاطبك بحسب الواقع مطابقتها وهي ضميره، نحو :« هَاكَ، هَاكِ، هاءَكَ » إلى آخره.