قال ابن عباس : أي : أيقنتُ وعلمتُ.
وقيل : ظننتُ أن يؤاخذني الله بسيئاتي إن عذبني فقد تفضَّل علي بعفوه، ولم يؤاخذني بها.
قال الضحاك : كل ظن من المؤمن في القرآن فهو يقين، ومن الكافر فهو شك.
وقال مجاهد : ظَنُّ الآخرة يقين وظَنُّ الدنيا شَكٌّ.
وقال الحسن في هذه الآية : إنّ المؤمن من أحسن الظَّن بربّه فأحسن العمل، وإن المنافق أساء الظن بربه، فأساء العمل.
وقوله :﴿ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾، أي : في الآخرة، ولم أنكرْ البعث، يعني أنه ما نجا إلا بخوفه من يوم الحساب؛ لأنه تيقّن أن الله يحاسبه، فعمل للآخرة.
قوله :﴿ رَّاضِيَةٍ ﴾، فيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه على المجاز جعلت العيشة راضية؛ لمحلها في مستحقيها، وأنها لا حال أكمل من حالها، والمعنى في عيش يرضاه لا مكروه فيه.
الثاني : أنه على النَّسب، أي : ذات رضا، نحو :« لابنٌ وتامرٌ » لصاحب اللَّبن والتَّمْرِ والمعنى : ذات رضا يرضى بها صاحبها.
الثالث : قال أبو عبيدة والفراء : إنه مما جاء فيه « فاعل » بمعنى مفعول نحو :﴿ مَّآءٍ دَافِقٍ ﴾ [ الطارق : ٦ ]، أي : مدفوق، كما جاء مفعول بمعنى فاعل، كقوله :﴿ حِجَاباً مَّسْتُوراً ﴾ [ الإسراء : ٤٥ ]، أي : ساتراً.

فصل في تنعم أهل الجنة.


قال ﷺ :« إنَّهُم يَعِيشون فلا يَمُوتُون أبداً، ويصحُّونَ فلا يَمْرضُونَ أبداً، وينعَمُونَ فلا يَرَوْنَ بأساً أبَداً ويَشِبُّونَ فلا يَهْرمُونَ أبداً ».
قوله :﴿ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ﴾، أي : عظيمةٌ في النفوس، ﴿ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ﴾، القطوف جمع : قطف، وهو فعل بمعنى مفعول، ك « الدِّعْي » و « الذِّبْح »، وهو ما يَجتنِيهِ الجاني من الثِّمار، و « دَانِيَةٌ »، أي : قريبة التناولِ يتناولها القائم، والقاعد، والمضطجع.
والقِطْف - بكسر القاف - وهو ما يقطفُ من الثِّمار، والقَطْفِ - بالفتح - المصدر، والقِطَاف - بالفتح والكسر - وقت القطف.
﴿ كُلُواْ ﴾، أي : يقال لهم : كلوا واشربوا، وهذا أمر امتنان، لا أمرُ تكليف.
وقوله :« هنيئاً » قد تقدم في أول النساء وجوَّز الزمخشريُّ فيه هنا أن ينتصب نعتاً لمصدر محذوفٍ، أي :« أكْلاً هنيئاً وشُرْباً هنيئاً »، وأن ينتصب على المصدر بعامل من لفظه مقدر، أي :« هَنِئْتُم بذلك هَنِيئاً ». و « الباء » في « بما أسْلفتُمْ » سببية، و « ما » مصدرية أو اسمية، ومعنى « هَنِيئاً »، لا تكدير فيه ولا تنغيص، « بما أسْلَفْتُم » قدمتم من الأعمال ﴿ فِي الأيام الخالية ﴾، أي : في الدنيا.
قالت المعتزلةُ : وهذا يدل على أنَّ العمل يوجبُ الثوابَ، وأن الفعل للعبدِ، وقال :« كُلُوا » بعد قوله :﴿ عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴾ لقوله :﴿ فأما من أوتي كتابه ﴾، و « من » تتضمنُ معنى الجمعِ.

فصل فيمن نزلت فيه الآية


ذكر الضحاكُ : أن هذه الآية نزلت في أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي.


الصفحة التالية
Icon