قال ابن الخطيب : وفي الآية دليلُ على أنَّ الكُفَّار مخاطبون بالفروع.
كان أبو الدرداء يحض امرأته على الإطعام ويقول : خلعنا نصف السلسلة بالإيمان، أفلا نخلع نصفها الثاني بالإطعام.
وقيل : المراد قول الكفار :﴿ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ الله أَطْعَمَهُ ﴾ [ يس : ٤٧ ].
وأصل « طعام » أن يكون منصوباً بالمصدر المقدر، والطعام عبارةٌ عن العين، وأضيف للمسكين للملابسةِ التي بينهما، ومن أعمل الطعام كما يعمل الإطعام، فموضع « المسكين » نصب، والتقدير : على إطعام المطعم المسكين، فحذف الفاعل، وأضيف المصدر إلى المفعول.
قوله :﴿ فَلَيْسَ لَهُ اليوم هَا هُنَا حَمِيمٌ ﴾ في خبر « ليس » وجهان :
أحدهما :« له ».
والثاني : هاهنا، وأيهما كان خبراً تعلق به الآخر، أو كان حالاً من « حميم »، ولا يجوز أن يكون « اليوم » خبراً ألبتة؛ لأنه زمان والمخبر عنه جثة.
ومنع المهدوي أن يكون « هاهُنَا » خبراً، ولم يذكر المانع.
وقد ذكره القرطبي فقال :« لأنه يصير المعنى : ليس هاهنا طعام إلا من غسلين، ولا يصح ذلك؛ لأن ثمَّ طعاماً غيره ». انتهى وفي هذا نظر؛ لأنا لا نسلم أولاً أن ثمَّ طعاماً غيره، فإن أورد قوله :﴿ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ ﴾ [ الغاشية : ٦ ] فهذا طعام آخر غير الغسلين.
فالجواب : أن بعضهم ذهب إلى أن الغسلين هو الضريع بعينه، فسمَّاه في آية « غسليناً » وفي أخرى « ضريعاً ».
ولئن سلمنا أنهما طعامان، فالحصر باعتبار الآكلين، يعني : أنَّ هذا الآكل انحصر طعامه في الغسلين، فلا ينافي أن يكون في النار طعام آخر.
وإذا قلنا : إن « له » الخبر، وأن « اليوم »، و « هاهنا » متعلقان بما تعلق هو به، فلا إشكال، وكذلك إذا جعلنا « هاهنا » هو الخبر، وعلقنا به الجار والظرف، ولا يضرّ كون العامل معنوياً للاتساع في الظروف وحروف الجر.
وقوله :﴿ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ ﴾، صفة ل « طعام »، دخل الحصر على الصفة، كقولك :« ليس عندي إلا رجلٌ من بني تميم ».
والمراد ب « الحميم » : الصديق، فعلى هذا الصفة مختصة بالطَّعام، أي : ليس له صديق ينفعه، ولا طعام إلا من كذا.
وقيل : التقدير : ليس له حميم إلاَّ من غسلين ولا طعام. قاله أبو البقاء.
فجعل « مِنْ غسْلِين » صفة ل « الحميم »، كأنه أراد الشَّيء الذي يحم به البدن من صديد النَّار.
وقيل : من الطعام والشَّراب؛ لأن الجميع يطعم، بدليل قوله :﴿ وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مني ﴾ [ البقرة : ٢٤٩ ].
فعلى هذا يكون ﴿ إلاَّ من غسلين ﴾ صفة ل « حميم » ول « طعام »، والمرادُ بالحميم : ما يشرب، أي : ليس له طعام، ولا شراب إلا غسليناً.