قال أبو حيَّان : أما قوله :« قليلاً نصب بفعل » إلى آخره، فلا يصح؛ لأن ذلك الفعل الدال عليه « تؤمنون » إما أن تكون « ما » نافية - كما ذهب إليه - أو مصدرية، فإن كانت نافية فذلك الفعل المُضْمَر الدال عليه « تؤمنون » المنفي ب « ما » يكون منفياً، فيكونُ التقدير : ما تؤمنون قليلاً ما تُؤمنون، والفعل المَنْفِي ب « ما » لا يجوز حذفه، ولا حذف ما، لا يجوز « زيداً ما أضربُه » على تقدير :« ما أضْربُ زيداً ما أضربه »، وإن كانت مصدرية كانت إما في موضع رفعٍ ب « قليلاً » على الفاعلية، أي : قليلاً إيمانكم، ويبقى « قليلاً » لا يتقدمه ما يعتمد عليه حتى يعمل ولا ناصب له، وإما في موضع رفعٍ على الابتداء؛ فيكون مبتدأ لا خبر له، لأن ما قبلهُ منصُوبٌ.
قال شهابُ الدين : لا يُريد ابن عطية بدلالةِ « تؤمنون » على الفعل المحذوف الدلالة في باب الاشتغال، حتى يكون العامل الظاهر مفسراً للعامل المضمر، بل يريد مجرّد الدلالة اللفظية، فليس ما أورده أبو حيان عليه من تمثيله بقوله :« زيداً ما أضربه » أي :« ما أضرب زيداً ما أضربُه » وأما الردُّ الثاني فظاهرٌ، وقد تقدم لابن عطية هذا القولُ في أول سورة « الأعراف » فَليُلتَفَتْ إليه.
وقال الزمخشريُّ :« والقّلةُ في معنى العدم، أي : لا تؤمنون ولا تذكرون ألبتَّة ».
قال أبو حيَّان : ولا يُرادُ ب « قليلاً » هنا النفي المحض كما زعم، وذلك لا يكون إلاَّ في « أقلُّ رجل يقول ذلك إلا زيدٌ »، وفي « قل » نحو « قَلَّ رجلٌ ذلك إلا زيدٌ » وقد يستعمل في « قليلة »، و « قليلة » إذا كانا مرفوعين، نحو ما جوزوا في قول الشاعر :[ الطويل ]

٤٨٥٣ -........................ قَلِيلٌ بِهَا الأصْوَاتُ إلاَّ بُغامُهَا
أما إذا كان منصوباً نحو :« قليلاً ضربت، أو قليلاً ما ضربت » على أن تكون « ما » مصدرية، فإن ذلك لا يجوزُ؛ لأنه في « قليلاً ضربت » منصوب ب « ضربت »، ولم تستعمل العرب « قليلاً »، إذا انتصب بالفعل نفياً، بل مقابلاً لكثير، وأما في « قليلاً ما ضربت » على أن تكون « ما » مصدريةٌ، فتحتاج إلى رفع « قليل »؛ لأن « ما » المصدرية في موضع رفع على الابتداء.


الصفحة التالية
Icon