قال شهاب الدين : قد تقدم أن قراءة ﴿ وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ﴾ [ المائدة : ٦ ] من هذا الباب فمن نصب الأرجل فليكن هذا مثله.
ثم قال أبو حيَّان : فإن قلت : الحركة في « يوم » تكون حركة بناء لا حركة إعرابٍ، فهو مجرور مثل « فِي يَوْمٍ ».
قلتُ : لا يجوز بناؤه على مذهب البصريين؛ لأنه أضيف إلى مُعرب، لكنه يجوز على مذهب الكوفيين فيتمشى كلامُ الزمخشريِّ على مذهبهم إن كان استحضره وقصده انتهى.
قال شهاب الدين : إن كان استحضره فيه تحامل على الرجل، وأي كبير أمر في هذا حتى لا ييستحضر مثل هذا. وتقدم الكلام على المهل في « الدخان ».
قوله :﴿ وَتَكُونُ الجبال كالعهن ﴾.
قيل :« العِهْنُ » هو الصُّوف مطلقاً، وقيل : يقدر كونه أحمر وهو أضعف الصوف، ومنه قول زهير :[ الطويل ]

٤٨٦٠ - كَأنَّ فُتَاتَ العِهْنِ في كُلِّ مَنْزِلٍ يَزَالُ بِه حَبُّ الفَنَا لمْ يُحَطَّمِ
الفتات : القطع، والعِهْنُ : الصُّوف الأحمر، واحده عهنة.
وقيل : يقيد كونه مصبوغاً ألواناً، وهذا أليق بالتشبيه؛ لأن الجبال متلونة، كما قال تعالى :﴿ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ ﴾ [ فاطر : ٢٧ ].
والمعنى : أنها تلين بعد شدة، وتتفرق بعد الاجتماع.
وقيل : أول ما تتفرق الجبال تصير رمالاً ثم عِهْناً منفوشاً، ثم هباءً مَنْثُوراً.
قوله :﴿ وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ﴾.
قرأ العامة :« يَسْألُ » مبنياً للفاعل، والمفعول الثاني محذوف، فقيل : تقديره : لا يسأله نصره، ولا شفاعته لعلمه أنَّ ذلك مفقود.
وقيل : لا يسأله شيئاً من حمل أو زادٍ.
وقيل :« حَمِيْماً » منصوب على إسقاط الخافض، أي : عن حميم، لشغله عنه. قاله قتادة. لقوله تعالى :﴿ لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [ عبس : ٣٧ ].
وقرأ أبو جعفر، وأبو حيوة، وشيبة، وابن كثير في رواية قال القرطبيُّ : والبزي عن عاصم :« يُسْألُ » مبنياً للمفعول.
فقيل :« حميماً » مفعول ثان لا على إسقاط حرف، والمعنى : لا يسأل إحضاره.
وقيل : بل هو على إسقاط « عَنْ »، أي : عن حميم، ولا ذو قرابة عن قرابته، بل كل إنسان يُسأل عن عمله، نظيره :﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [ المدثر : ٣٨ ].
قوله :﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ ﴾ عدي بالتضعيف إلى ثان، وقام الأول مقام الفاعل، وفي محل هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أنها في موضع الصفة ل « حَمِيم ».
والثاني : أنها مستأنفة.
قال الزمخشريُّ : فإن قلت : ما موقع « يُبصَّرُونهُم »؟
قلت : هو كلام مستأنف، كأنه لمَّا قال :﴿ لاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ﴾ قيل : لعله لا يبصره، فقال :« يُبَصَّرُونهُم »، ثم قال : ويجوز أن يكون « يبصرُونهُم » صفة، أي : حميماً مبصرين معرفين إياهم انتهى.
وإنما اجتمع الضميران في « يبصرُونهُم » وهما للحميمين حملاً على معنى العمومِ؛ لأنهما نكرتان في سياق النفي.
وقرأ قتادةُ :« يُبصِرُونهُمْ » مبنياً للفاعل، من « أبصَرَ »، أي : يبصر المؤمن الكافر في النار.


الصفحة التالية
Icon