فصل في قوله تعالى يبصرونهم
« يُبصَّرُونهُم »، أي : يرونهم، يقال : بصرت به أبصر، قال تعالى :﴿ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ ﴾ [ طه : ٩٦ ]، ويقال :« بصَّرَني زيدٌ بكذا » فإذا حذفت الجار قلت : بصَّرني زيدٌ، فإذا بنيت الفعل للمفعول، وقد حذفت الجارَّ، قلت : بصرت زيداً، فهذا معنى :« يُبَصَّرونهُمْ » أي : يعرف الحميمُ الحميمَ حين يعرفه، وهو مع ذلك، لا يسأله عن شأنه لشغله بنفسه، فيبصر الرجلُ أباه، وأخاه، وقرابته، وعشيرته، فلا يسألهُ، ولا يكلمه؛ لاشتغالهم بأنفسهم.
وقال ابن عبَّاس : يتعارفون ساعة، ثم لا يتعارفون بعد ذلك.
وقال ابن عباس أيضاً : يُبْصِرُ بعضهم بعضاً، فيتعارفون ثم يفرُّ بعضهم من بعضٍ، فالضمير في « يُبَصَّرونهُم » على هذا للكافر، والهاءُ والميم للأقرباء.
وقال مجاهدُ : المعنى : يُبَصِّرُ الله المؤمنين الكفَّار في يوم القيامةِ، فالضمير في « يُبَصَّرونهم » للمؤمنين، والهاءُ والميمُ للكفار.
وقال ابنُ زيدٍ : المعنى : يُبصِّرُ الله الكفار في النار الذين أضلوهم في الدُّنيا، فالضميرُ في « يُبَصَّرونَهُم » للتابعين، والهاءُ والميم للمتبوعين.
وقيل : إنه يُبصِرُ المظلومُ ظالمه، والمقتولُ قاتله.
وقيل : إن الضمير في « يُبصَّرونَهم » يرجع إلى الملائكة، أي : يعرفون أحوال الناس، فيسوقون كلَّ فريقٍ إلى ما يليق بهم، وتمَّ الكلامُ عند قوله :« يُبصَّرُونَهُم ». قوله :« يَوَدُّ المُجرِمُ »، أي : يتمنَّى الكافرُ ﴿ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ ﴾، أي : من عذاب جهنم، وقيل : المرادُ بالمجرم كلُّ مذنب، وتقدم الكلام على قراءتي « يَومئذٍ » فتحاً وجرًّا في « هود » والعامة : على إضافة « عَذابِ » ل « يَومِئذٍ ».
وأبو حيوة : بتنوين « عذابٍ »، ونصب « يَومئذٍ »، على الظرف.
قال ابنُ الخطيب : وانتصابه بعذاب؛ لأن فيه معنى تعذيب.
وقال أبو حيَّان هنا :« والجمهور يكسرها - أي : ميم يومئذ - والأعرج وأبو حيوة : يفتحها » انتهى.
وقد تقدم أنَّ الفتح قراءةُ نافع، والكسائي.
قوله :﴿ وَفَصِيلَتِهِ التي تُؤْوِيهِ ﴾.
قال ثعلب : الفصيلةُ : الآباء الأدنون.
وقال أبو عبيدة : الفخذ.
وقال مجاهد وابن زيدٍ : عشيرته الأقربون.
وقد تقدم ذكر ذلك عند قوله :« شعوباً وقبائل ».
وقال المُبرِّدُ : الفصيلةُ : القطعةُ من أعضاء الجسدِ، وهي دون القبيلةِ، وسُمِّيت عترةُ الرجلِ فصيلته تشبيهاً بالبعض منه.
قال ابنُ الخطيبِ : فصيلة الرجل : أقرباؤه الأقربون الذين فصل عنهم، وينتمي إليهم؛ لأن المراد من الفصيلة المفصولة؛ لأن الولد يكون مفصولاً من الأبوين، قال ﷺ :« فَاطِمَةُ قِطعَةٌ منِّي » فلما كان مفصولاً منهما، كانا أيضاً مفصولين منه، فسُمِّيا فصيلة لهذا السببِ.
وكان يقالُ للعباس رضي الله عنه : فصيلةُ النبي ﷺ لأن العمَّ قائم مقام الأب.