قوله :﴿ يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً ﴾. أي : يرسل ماء السماءِ، ففيه إضمار.
وقيل : السماء : المطر، أي يرسلُ المطر؛ قال الشاعر :[ الوافر ].
٤٨٧٨ - إذَا نَزََل السَّماءُ بأرْضِ قَوْمٍ | رَعيْنَاهُ وإنْ كَانُوا غِضَابَا |
وجزم « يرسل » جواباً للأمر، و « مِدْرَاراً » ذا غيث كثيرٍ.
فصل في حكاية قوم نوح
قال مقاتل : لما كذَّبوا نوحاً - ﷺ - زماناً طويلاً حبس اللَّهُ عنهم المطر، وأعقم أرحامَ نسائهم أربعين سنة، فهلكت مواشيهم وزروعهم فصاروا إلى نوح - ﷺ - واستغاثوا به، فقال :﴿ استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ﴾، أي : لمن أناب إليه، ثم رغبهم في الإيمان فقال :﴿ يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً ﴾.
قال قتادة : علم نبيُّ الله ﷺ أنهم أهل حرصٍ على الدنيا، فقال : هلموا إلى طاعة الله، فإنَّ في طاعة الله درك الدنيا والآخرة.
فصل في استنزال الرزق بالاستغفار.
في هذه الآية والتي قبلها في « هود » دليلٌ على أنَّ الاستغفار يستنزلُ به الرزق والأمطار قال الشعبيُّ : خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فأمطروا فقالوا : ما رأيناك استسقيت فقال : لقد استسقيت بمجاديح السماءِ التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ :﴿ استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَارًا ﴾.
قال ابن الأثير : المجاديحُ واحدها « مجدح » والياء زائدة للإشباع، والقياس أن يكون واحدها مجداح، فأما مجدح فجمعه « مجادح »، والمجدح : نجمٌ من النجوم.
قيل : هو الدبران.
وقيل : هو ثلاثةُ كواكب، كالأثافي تشبيهاً له بالمجدح، الذي له ثلاث شعبٍ، وهو عند العرب من الأنواء الدالة على المطر، فجعل الاستغفار مشبهاً بالأنواء، مخاطبة لهم بما يعرفونه لا قولاً بالأنواء، وجاء بلفظ الجمع؛ لأنه أراد الأنواء جميعها التي يزعمون أن من شأنها المطر.
وشكى رجلٌ إلى الحسن الجدوبة، فقال له : استغفر الله، وشكى آخر إليه الفقر، فقال له : استغفر الله، وقال له آخر : ادعُ الله أن يرزقني ولداً، فقال له : استغفر الله، وشكى إليه آخرُ جفاف بساتينه فقال له : استغفر الله، فقلنا له في ذلك، فقال ما قلت من عندي شيئاً، إنَّ الله تعالى يقول في سورة « نوح » :﴿ استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً ﴾.