وقال الكلبيُّ : هو ما جعلوه لله من الصاحبة والولد، وهذا بعيد، لأن هذا إنما قاله النصارى وهم بعد قوم نوح عليه السلام بأزمان متطاولة.
وقال مقاتل : هو قول كبرائهم لأتباعهم :﴿ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً ﴾، فمنعوا القوم عن التوحيد وأمروهم بالشرك، واعلم أنه لما كان التوحيد أعظم المراتب، لا جرم كان المنعُ منه أعظم الكبائر، فلهذا وصفه اللَّهُ تعالى بأنه كبار.
قال ابن الخطيب : وإنَّما سماه مكراً لوجهين :
الأول : لما في إضافة الآلهة إليهم من الحيل الموجبة، لاستمرارهم على عبادتها؛ لأنها معبود آبائهم، فلو قبلتم قول نوحٍ لاعترفتم على أنفسكم بأنكم كنتم جاهلين ضالين، وعلى آبائكم بأنهم كانوا كذلك، ولما كان اعتراف الإنسانِ على نفسه وعلى أسلافه بالقصور والنقص والجهل بهذه الكلمة وهي لفظة « آلهتكم » وصدفكم عن الدين؛ فلهذه الحجة الخفية سمّى الله كلامهم مكراً.
الثاني : أنه تعالى حكى عن المتبوعين أنهم كان لهم مال وولد، فلعلهم قالوا لأتباعهم : إن آلهتكم خير من إله نوح؛ لأن آلهتكم يعطونكم المال والولد، وإله نوح [ لا يعطيه شيئاً لأنه فقير ] فصرفوهم بهذا المكر عن طاعة نوح، وهو مثل مكر فرعون إذ قال :﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾ [ الزخرف : ٥١ ]، وقوله ﴿ أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هذا الذي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ ﴾ [ الزخرف : ٥٢، ٥٣ ].
قوله :﴿ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً ﴾ [ نوح : ٢٣ ] يجوز أن يكون من عطف الخاص على العام، إن قيل : إن هذه الأسماء لأصنام، وألا يكون إن قيل : إنها أسماء رجال صالحين على ما ذكر المفسِّرون.
وقرأ نافع :« وُدّاً » بضم الواو، والباقون : بفتحها.
وأنشد بالوجهين قول الشاعر :[ البسيط ]

٤٨٨٥ - حَيَّاكَ وُدٌّ فإنَّا لاَ يَحِلُّ لَنَا لَهْوُ النِّساءِ، وإنَّ الدِّينَ قَدْ عَزَمَا
وقول الآخر :[ الطويل ]
٤٨٨٦ - فَحيَّاكَ وُدُّ مَنْ هداكَ لعِسِّهِ وخُوص بأعْلَى ذِي فَضالة هجِّه
قال القرطبي : قال الليث :« وَدٌّ » - بفتح الواو - صنم كان لقوم نوح، و « وُدّ » - بالضم - صنم لقريش، وبه سمي عمرو بن عبد ود.
وفي الصحاح :« والوَدُّ » بالفتح : الوتد في لغة أهل نجد، كأنهم سكنوا التاء وأدغموها في الدال. والود في قول امرىء القيس :[ الرمل ]
٤٨٨٧ - تُظْهِرُ الوَدَّ إذَا مَا أشْجَذتْ وتُواريهِ إذَا ما تَشْتَكِرْ
قال ابن دريدٍ : هو اسم جبلٍ.
و « ود » : صنم كان لقوم نوح - ﷺ - ثم صار لكلب، وكان بدومةِ الجَندلِ، ومنه سموا بعبد ودّ.
قوله :﴿ وَلاَ يَغُوثُ وَيَعُوقَ ﴾. قرأهما العامة بغير تنوين، فإن كانا عربيين : فالمنع من الصرف للعلمية والوزن، وإن كانا أعجميين : فالعجمة والعلمية.


الصفحة التالية
Icon