وقرأ الأعمش :« ولا يغوثاً ويعوقاً » مصروفين.
قال ابن عطية :« وذلك وهم، لأن التعريف لازم ووزن الفعل ». انتهى.
قال شهاب الدين : وليس بوهم لأمرين :
أحدهما : أنه صرفهما للتناسب إذ قبلهما اسمان مصروفان وبعده اسم مصروف كما صرف « سَلاسِل ».
والثاني : أنه جاء على لغة من يصرف غير المنصرف مطلقاً، وهي لغة حكاها الكسائي، ونقل أبو الفضل : الصرف فيهما عن الأشهب العقيلي، ثم قال : جعلهما « فعولاً »، فلذلك صرفهما، فأما في العامة : فإنهما صفتان من الغوثِ والعوقِ.
قال شهاب الدين :« وهذا كلامٌ مشكلٌ، أما قوله :» فعولاً « فليس بصحيح، إذ مادة يغث ويعق مفقودة، وأما قوله : صفتان من الغوث والعوق، فليس في الصفات ولا في الأسماء » يفعل « والصحيح ما قدمته ».
وقال الزمخشريُّ : وهذه قراءة مشكلة لأنهما إن كانا عربيين أو أعجميين، ففيهما المنع من الصرف، ولعله وجد الازدواج، فصرفهما لمصادفته أخواتهما منصرفات : ودّاً وسواعاً ونسراً، كما قرىء ﴿ وَضُحَاهَا ﴾ [ الشمس : ١ ] بالإمالة لوقوعه مع الممالات للازدواجِ.
قال أبو حيَّان : كأنه لم يطلع على أن صرف ما لا ينصرف لغة.
فصل في بيان هذه الأسماء.
قال ابن عبَّاس وغيره : وهي أصنامٌ، وصور كان قوم نوحٍ يعبدونها، ثم عبدتها العربُ، وهذا قول الجمهورِ.
وقيل : إنَّها للعربِ لم يعبدها غيرهم، وكانت أكبر أصنامهم وأعظمها عندهم، فلذلك خصُّوا بالذكر بعد قوله :﴿ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً ﴾.
وقال عروة بن الزبير : اشتكى آدمُ - ﷺ - وعند بنوه : ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، وكان ود أكبرهم، وأبرّهم به.
قال محمد بن كعب، كان لآدمَ خمس بنينَ : ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وكانوا عُبَّاداً، فمات رجل منهم فحزنوا عليه، فقال الشيطان : أنا أصور لكم مثله، إذا نظرتم إليه ذكرتموه، قالوا : افعل، فصوّره في المسجدِ، من صفر ورصاصٍ، ثم مات آخرُ، فصوره حتى ماتوا كلُّهم، وصوروهم وتناقصت الأشياءِ كما ينقص اليوم إلى أن تركوا عبادة الله تعالى بعد حين، فقال لهم الشيطان : ما لكم لا تعبدون شيئاً؟.
قالوا : وما نعبدُ؟
قال آلهتكم وآلهة آبائكم، ألا ترونها في مصلاكم؟ فعبدوها من دون الله، حتى بعث الله نوحاً، فقالوا :﴿ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً ﴾ الآية.
وقال محمد بن كعبٍ أيضاً ومحمد بن قيس : بل كانوا قوماً صالحين، بين آدم ونوح وكان لهم أتباع يقتدون بهم فلما ماتوا زيَّن لهم إبليس أن يصوروا صورهم؛ ليتذكروا بها اجتهادهم، وليتسلوا بالنظر إليها فصوّروهم، فلما ماتوا هم وجاء آخرون قالوا : ليت شعرنا، وما هذه الصورُ التي كان يعبدها آباؤنا؟ فجاءهم الشيطان فقال : كان آباؤكم يعبدونها فترحمهم وتسقيهم المطر، فعبدوها فابتدىء عبادة الأوثان من ذلك الوقت.