يعني أنه كان ينبغي أن تصح واوهُ ولا تقلب ياء، وهذا نظير ما تقدم له من البحث في « مُتَحيِّز » وأن أصله :« مُتَحَيْوز » لا « مُتَفعِّل » إذ كان يلزم أن يكون « متحوِّزاً » لأنه من « الحَوْز » ويقال فيه أيضاً :« دَوَّار » نحو « قيَّام وقوَّام ».
وقال مكيٌّ : وأصله « ديْوَار » ثم أدغموا الواو في الياء مثل « ميِّت » أصله « ميْوِت » ثم أدغموا الثاني في الأول، ويجوز أن يكون أبدلوا من الواو ياء، ثم أدغموا الياء الأولى في الثانية.
قال شهاب الدين : قوله أدغموا الثاني في الأول، هذا لا يجوز؛ إذ القاعدة المستقرة في المتقاربين قلب الأول لا الثاني، ولا يجوز العكسُ إلا شذوذاً أو لضرورة صناعية، أما الشذوذ فكقوله :﴿ واذَّكَرَ ﴾ [ يوسف : ٤٥ ] بالذال المعجمة، و ﴿ فهل من مُذَّكر ﴾ [ القمر : ١٥ ] بالذال المعجمة أيضاً وأما الضرورة الصناعية فنحو : امدح هذا، لا تقلب الهاء حاء، لئلا يدغم الأقوى في الأضعف وهذا يعرفه من عانى التصريف، والديار : نازل الدار، يقال : ما بالدار ديار، وقيل : الديار صاحب الدار.
وقال البغويُّ :« الدَّيارُ يعني أحداً يدور في الأرض، فيذهب ويجيء » فعَّال « من الدوران ».
فصل في دعاء نوح على قومه
لما أيس نوح - ﷺ - من أتباعهم إياه دعا عليهم.
قالت قتادة : دعا عليهم بعد أن أوحى الله إليه ﴿ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ ﴾ [ هود : ٣٦ ]، فأجاب الله دعوته وأغرق أمته، وهذا كقول النبي ﷺ :« اللَّهُمَّ مُنزِلَ الكتابِ هَازِم الأحزابِ، اهْزمهُم وزلْزلهُمْ ».
وقيل : سبب دعائه أنَّ رجلاً من قومه حمل ولداً صغيراً على كتفهِ فمرَّ بنوحٍ، فقال : احذر هذا فإنه يضلك، فقال : يا أبتِ، أنزلني فأنزله فرماه فشَجَّه، فحينئذ غضب ودعا عليهم.
وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع وعطية وابن زيد : إنَّما قال هذا، حين أخرج اللَّهُ كلَّ مؤمنٍ من أصلابهم وأرحام نسائهم، وأعقم أرحام أمهاتهم وأيبس أصلاب رجالهم قبل العذاب بأربعين سنة، وقيل : بسبعين سنة، فأخبر اللَّهُ نوحاً أنهم لا يؤمنون، ولا يلدون مؤمناً كما قال تعالى :﴿ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ ﴾ [ هود : ٣٦ ]، فحنيئذ دعا عليهم نوحٌ، فأجاب اللَّهُ دعاءَ فأهلكهم كلَّهم، ولم يكن فيهم صبي وقت العذابِ، لأن الله تعالى قال :﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ الرسل أَغْرَقْنَاهُمْ ﴾ [ الفرقان : ٣٧ ]. ولم يوجد التكذيب من الأطفال.