قوله تعالى :﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً ﴾، أي : قالوا لقومهم حين رجعوا إليهم كقوله تعالى ﴿ فَلَمَّا قضى زَيْدٌ ﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ]، ﴿ فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل ﴾ [ القصص : ٢٩ ] ﴿ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ﴾ [ الأحقاف : ٢٩ ]، ووصف القرآن ب « عَجَباً » إما على المبالغة، أي : خارجاً عن حد أشكاله إما في فصاحة كلامه، وإما في بلاغة مواعظه، أو عجباً من عظم بركته، أو عزيزاً لا يوجد مثله وإما على حذف مضاف أي ذا عجب، وإمَّا بمعنى اسم الفاعل، أي : معجب. قوله « يَهْدِي » صفة أخرى، أي : هادياً.
﴿ إِلَى الرشد ﴾. قرأ العامةُ :« الرشد » بضمة وسكون، وابن عمر : بضمها وعنه أيضاً : فتحهما. وتقدم هذا في الأعراف. والمعنى : يهدي إلى الصواب.
وقيل : إلى التوحيد.
قوله تعالى :﴿ فَآمَنَّا بِهِ ﴾، أي : بالقرآن، أي : فاهتدينا به، وصدقنا أنه من عند الله، ﴿ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً ﴾، أي : لا نرجع إلى إبليس، ولا نطيعه، ولا نعود إلى ما كنا عليه من الإشراك، وهذا يدل على أنَّ أولئك الجنِّ كانوا مشركين.
قوله :﴿ وَأَنَّهُ تعالى ﴾. قرأ الأخوان وابن عامر وحفص : بفتح « أنَّ »، وما عطف عليها بالواو في اثنتي عشرة كلمة، والباقون : بالكسر.
وقرأ أبو بكر وابن عامرٍ :« وإنَّهُ لمَّا قَامَ عبد الله يدعوه » بالكسر، والباقون : بالفتح.
واتفقوا على الفتح في قوله تعالى :﴿ وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ ﴾.
وتلخيص هذه أن « أنَّ » المشددة في هذه السورة على ثلاثة أقسام :
قسم : ليس معه واو العطف، فهذا لا خلاف بين القراء في فتحه أو كسره على حسب ما جاءت به التلاوة واقتضته العربية، كقوله ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استمع نَفَرٌ مِّنَ الجن ﴾، لا خلاف في فتحه لوقوعه موقع المصدر، وكقوله ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً ﴾، لا خلاف في كسره لأنه محكي بالقول.
القسم الثاني : أن يقترن بالواو، وهوأربع عشرة كلمة، إحداها : لا خلاف في فتحها وهو قوله :﴿ وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ ﴾ وهذا هو القسمُ الثاني.
والثالث :« وأنه لما قام » يكسرها ابن عامر وأبو بكر، وفتحها الباقون. كما تقدم تحرير ذلك كله.
والاثنتا عشرة : وهي قوله ﴿ وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ ﴾ [ الجن : ٣ ]، ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ﴾ [ الجن : ٤ ] ﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّآ ﴾ [ الجن : ٥ ]، ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ ﴾ [ الجن : ٦ ]، ﴿ وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ ﴾ [ الجن : ٧ ]، ﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا ﴾ [ الجن : ٨ ]، ﴿ وَأَنَّأ كُنَّا ﴾ [ الجن : ٩ ]، ﴿ وَأَنَّا لاَ ندريا ﴾ [ الجن : ١٠ ]، ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الصالحون ﴾ [ الجن : ١١ ]، ﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّآ ﴾ [ الجن : ١٢ ]، ﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ﴾ [ الجن : ١٣ ]، ﴿ وَأَنَّا مِنَّا المسلمون ﴾ [ الجن : ١٤ ].
فهذا ضبطها من حيثُ القراءات، وأما توجيه ذلك فاختلف الناسُ فيه.
فقال أبو حاتم في الفتح : هو معطوف على مرفوع « أوحِيَ »، فتكون كلها في موضع رفع لما لم يسم فاعله.


الصفحة التالية
Icon