ورد ذلك من حيث أنَّ أكثرها لا يصح دخولها تحت معمول « أوحِيَ »، ألا ترى أنه لو قيل « أوحي إلينا أنا لمسنا السماء، وأنا كنا، وأنا لا ندري وأنا منا الصالحون، وأنا لما سمعنا الهدى، وأنا منا المسلمون » لم يستقم معناه.
وقال مكيٌّ : وعطف « أن » على « آمنَّا بِهِ » أتم في المعنى من العطف على « أنَّهُ اسْتمَعَ » لأنَّك لو عطفت « وأنا ظننا، وأنا لما سمعنا، وأنه كان رجال من الإنس، وأنا لمسنا » وشبه ذلك على « أنَّهُ اسْتمَعَ » لم يجز؛ لأنه ليس مما أوحي إليه إنَّما هو أمر أخبروا به عن أنفسهم، والكسر في هذا أبينُ وعليه جماعة من القُرَّاءِ.
الثاني : أن الفتح في ذلك عطف على محل « بِهِ » من « آمنَّا بِهِ ».
قال الزمخشريُّ :« كأنه قال : صدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا، وأنه يقول سفيهنا، وكذلك البواقي ».
إلا أن مكياً ضعف هذا الوجه فقال :« والفتح في ذلك على الجمل على معنى :» آمنَّا بِهِ «، فيه بعدٌ في المعنى؛ لأنهم لم يخبروا أنهم آمنوا، بأنهم لما سمعوا الهدى آمنوا به، ولم يخبروا أنَّهم آمنوا أنه كان رجال، إنما حكى الله عنهم أنهم قالوا ذلك مخبرين به عن أنفسهم لأصحابهم، فالكسر أولى بذلك »
وهذا الذي قاله غير لازم، فإن المعنى على ذلك صحيح، وقد سبق الزمخشري إلى هذا التخريج الفرَّاء والزجاج، إلا أن الفراء استشعر إشكالاً وانفصل عنه، فإنه قال : فتحت « أن » لوقوع الإيمان عليها، وأنت تجد الإيمان يحسن في بعض ما فتح دون بعض فلا يمنع من إمضائهن على الفتح، فإنه يحسن فيه ما يوجب فتح « أن » نحو : صدقنا، وشهدنا، كما قالت العرب :[ الوافر ]
٤٨٩٣ - وزَجَّجْنَ الحَواجِبَ والعُيُونَا... فنصب « العيونَ » لإتباعها « الحواجب »، وهي لا تزجج إنما تكحل، فأضمر لها الكحل. انتهى فأشار إلى شيء مما ذكره وأجاب عنه.
وقال الزجاج :« لكن وجهه أن يكون محمولاً على » آمنَّا بِهِ « وصدقناه وعلمناه، فيكون المعنى : صدقنا أنه تعالى جد ربِّنا ما اتخذ صاحبة ».
الثالث : أنه معطوف على الهاء في « بِهِ »، أي : آمنا به وبأنه تعالى جد ربنا، وبأنه كان يقول - إلى آخره - وهو مذهب الكوفيين.
وهو، وإن كان قوياً من حيثُ المعنى، إلا أنه ممنوع من حيث الصناعة لأنه لا يعطف على الضمير المجرور، إلا بإعادة الجار.
وتقدم تحرير هذين القولين في سورة « البقرة » عند قوله :