﴿ وَكُفْرٌ بِهِ والمسجد الحرام ﴾ [ البقرة : ٢١٧ ] على أن مكياً قد قوى هذا المدرك، وهو حسن جداً، فقال : هو يعني العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار في « أن » أجود منه في غيرها لكثرة حذف حرف الجر « إلى » مع « أن ».
ووجه الكسر : العطف على « إن » في قوله :« إنَّا سَمعْنَا » فيكون الجميع معمولاً للقول فقالوا :« إنَّا سَمِعْنَا »، وقالوا :« إنَّه تعَالى جَدُّ ربِّنَا » إلى آخرها.
وقال بعضهم : الجملتان من قوله تعالى :﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس ﴾، ﴿ وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ ﴾ معترضتان بين قول الجن، وهما من كلام الباري تعالى.
والظاهر أنه من كلامهم قاله بعضهم لبعض.
ووجه الكسرِ والفتح في قوله :﴿ وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ الله ﴾ ما تقدم.
ووجه إجماعهم على فتح ﴿ وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه معطوف على « أنَّه اسْتَمَعَ » فيكون موحى أيضاً.
والثاني : أنه على حذف حرف الجر، وذلك الحرف متعلق بفعل النهي، أي : فلا تدعوا مع الله احداً، لأن المساجد لله. ذكرهما أبو البقاء.
وقال الزمخشريُّ :« أنَّهُ اسْتَمَع » - بالفتح - لأنه فاعل « أوْحِيَ »، و « إنَّا سَمِعْنَا » بالكسر لأنه مبتدأ، محكي بعد القول، ثُمَّ يحمل عليهما البواقي، فما كان من الوحي فتح، وما كان من قول الجنِّ كسر، وكلهم من قولهم الثنتين الأخريين وهما :« وأن المساجد، وأنه لما قام عبد الله يدعوه »، ومن فتح كلهن، فعطفاً على محلّ الجار والمجرور في « آمنَّا بِهِ »، أي : صدقناه وصدقنا به.
والهاء في ﴿ أَنَّهُ استمع نَفَرٌ ﴾، وأنه تعالى وما بعد ذلك ضمير الأمر والشأن، وما بعده خبر « أن ».
قوله :﴿ جَدُّ رَبِّنَا ﴾. قرأ العامة :﴿ جَدّ رَبَّنَا ﴾ بالفتح ل « رَبَّنَا ».
والمراد به هنا العظمة.
وقيل : قدرته وأمره.
وقيل : ذكره.
والجدُّ أيضاً : الحظُّ، ومنه قوله ﷺ :« وَلاَ ينفعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ » والجدُّ أيضاً : أبو الأب، والجدُّ أيضاً - بالكسر - ضد التواني في الأمر.
وقرأ عكرمة : بضم ياء « ربُّنا » وتنوين « جدٌّ » على أن يكون « ربنا » بدلاً من « جد ».
والجد : العظيمُ. كأنه قيل : وأنه تعالى عظم ربنا، فأبدل المعرفة من النكرة.
وعنه أيضاً :« جداً » على التمييز و « ربنا » فاعل ب « تعَالى »، وهو منقول من الفاعلية؛ إذ التقدير :« جد ربنا » ثم صار تعالى ربنا جداً أي عظمة نحو تصبب زيداً عرقاً أي عرق زيد، وعنه أيضاً وعن قتادة كذلك إلا انه بكسر الجيم، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه نعت لمصدر محذوف، وربنا فاعل ب « تعالى »، والتقدير : تعالى ربُّنا تعالياً جداً، أي : حقاً لا باطلاً.


الصفحة التالية
Icon