والجِدُّ - بكسر الجيم - ضد الهزل.
والثاني : أنه منصوب على الحال، أي : تعالى ربنا حقيقة وتمكناً، قاله ابن عطية.
وقرأ حميد بن قيس :« جُدُّ ربِّنا » - بضم الجيم - مضافاً ل « ربِّنا »، وهو بمعنى العظيم حكاه سيبويه.
وهو في الأصل من إضافة الصفة لموصوفها؛ إذ الأصل : ربنا العظيم، نحو :« جرد قطيفة » الأصل : قطيفةُ جرد، وهو مؤولٌ عن البصريين.
وقرأ ابنُ السميقع :« جدا ربنا » بألف بعد الدال مضافاً ل « ربِّنا ».
والجَدَا والجدوى : النفع والعطاء، أي : تعالى عطاء ربِّنا ونفعه.

فصل في معنى « الجد »


قال القرطبيُّ : الجد في اللغة : العظمةُ والجلالُ، ومنه قول أنس - رضي الله عليه - :« كان الرجل إذا حفظ البقرة وآل عمران جد في عيوننا » أي : عظم وجل فمعنى « جَدُّ ربِّنَا » أي : عظمته وجلاله، قاله عكرمة ومجاهد وقتادة، وعن مجاهد أيضاً : ذكره.
وقال أنس بن مالك والحسن وعكرمةُ أيضاً : غناه.
ومنه قيل للحظ جد ورجل مجدود : أي : محظوظ، وفي الحديث :« وَلا يَنْفَعُ ذَا الجدِّ منْكَ الجَدُّ »، قال أبو عبيد والخليل، أي ذا الغنى منك الغنى، إنما تنفعه الطاعة.
وقال ابن عباس رضي الله عنه : قدرته وقال الضحاك : فعله.
وقال القرظي والضحاك : آلاؤهُ ونعماؤه على خلقه.
وقال أبو عبيد والأخفش : ملكه وسلطانه.
وقال السدي : أمره.
وقال سعيد بن جبير :﴿ وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبِّنَا ﴾، أي : تعالى ربنا.
وقيل : إنهم عنوا بذلك الجد الذي هو أبو الأب، ويكون هذا من الجنِّ.
وقال محمد بن علي بن الحسين وابنه جعفر الصادق والربيع : ليس لله تعالى جد وإنما قالته العرب للجهالة فلا يوحدونه.
قال القشيريُّ : ويجوز إطلاق لفظ الجدِّ في حق الله تعالى إذ لو لم يجز لما ذكر في القرآن، غير أنه لفظ موهم، فتجنُّبُه أولى.
قال القرطبيُّ :« ومعنى الآية : وأنه تعالى جدُّ ربِّنا أن يتخذ ولداً أو صاحبة للاستئناس بهما، أو الحاجة إليهما، والربُّ يتعالى عن ذلك كما يتعالى عن الأنداد والنظراء ».
وقوله تعالى :﴿ مَا اتخذ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً ﴾، مستأنف، فيه تقرير لتعالي جده.
قوله :﴿ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى الله شَطَطاً ﴾.
الهاء في « أنه » للأمر أو الحديث، و « سَفِيهُنَا » يجوز أن يكون اسم « كَانَ » و « يقُولُ » الخبر، ولو كان مثل هذه الجملة غير واقعة خبراً ل « كَانَ » لامتنع تقديمُ الخبرِ حينئذ، نحو « سَفِيهُنَا يقُولُ »، لو قلت :« يَقُولُ سَفيْهُنَا » على التقديم والتأخير، لم يجز فيه والفرق أنه في غير باب « كَانَ » يلتبس بالفعل والفاعل، وفي باب « كَانَ » يؤمن ذلك.


الصفحة التالية
Icon