بمعنى.
وقد قيل : إن تقديره : فيؤخذ كل واحد بالنَّواصي، وليس بصواب؛ لأنه لا يتعدى إلى مفعولين أحدهما : بالباء، لما ذكرنا، وقد يجوز أن يتعدى إلى مفعولين : أحدهما بحرف جر غير الباء، نحو : أخذت ثوباً من زيد، فهذا المعنى غير الأول، فلا يحسن مع الباء مفعول آخر إلاَّ أن تجعلها بمعنى « من أجل »، فيجوز أن تقول :« أخذت زيداً ثوباً بعمرو » أي : من أجله وبذنبه «. انتهى.
وفيما قاله نظر، لأنك تقول :» أخذت الثوب بدرهم « فقد تعدّى بغير » من « أيضاً بغير المعنى الذي ذكره.
وقال ابن الخطيب : فإن قيل : كيف عدي الأخذ بالباء وهو متعد بنفسه قال تعالى :﴿ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ ﴾ [ الحديد : ١٥ ] وقال :﴿ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ ﴾ [ طه : ٢١ ] ؟.
فالجواب أن الأخذ تعدى بنفسه كما تقدم، وبالباء كقوله تعالى :﴿ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي ﴾ [ طه : ٩٤ ] لكن التدقيق فيه أن المأخوذ إن كان مقصوداً فكأنه ليس هو المأخوذ، فكأن الفعل لم يتعد إليه بنفسه، فيذكر الخوف ويدل على هذا استعمال القرآن، فقال تعالى :﴿ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ ﴾ [ طه : ٢١ ]، وقال تعالى ﴿ وليأخذوا أَسْلِحَتَهُمْ ﴾ [ النساء : ١٠٢ ] وأخذ الألواح إلى غير ذلك مما هو المقصود بالأخذ غيره، وأسند الأخذ إلى النواصي دون ضمير المجرمين إشارة إلى استيلاء الآخذين على المأخوذين وكثرتهم وكيفية الأخذ.
و » أل « في » النَّواصي والأقْدَام « ليست عوضاً من ضمير عند البصريين، فالتقدير : بالنواصي منهم، وهي عند الكوفيين عوض.
والنَّاصية : مقدم الرأس، وقد تقدم هذا مستوفى في » هود « وفي حديث عائشة رضي الله عنها :» مَا لَكُم لا تَنُصُّونَ مَيَّتَكُمْ « أي : لا تمدُّون ناصيته.
و » النَّصيّ « : مرعى طيب، فقولهم : فلان ناصية القوم، يحتمل أن يكون من هذا، يعنون أنه طيب منتفع، أو مثل قولهم : هو رأسُ القَوْمِ انتهى.
فصل في سيما المجرمين
قال الحسن :﴿ يُعْرَفُ المجرمون بِسِيمَاهُمْ ﴾ أي بسواد الأوجه، وزرقة الأعين قال تعالى :﴿ وَنَحْشُرُ المجرمين يَوْمَئِذٍ زُرْقاً ﴾ [ طه : ١٠٢ ].
وقال تعالى :﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ [ آل عمران : ١٠٦ ].
فقوله :﴿ فَيُؤْخَذُ بالنواصي والأقدام ﴾ أي : يأخذ الملائكة بنواصيهم، أي : بشعور مقدم رءوسهم وأقدامهم فيقذفونهم في النار.
و » النَّواصي « : جمع ناصية.
وقال الضحاك : يجمع بين ناصيته وقدمه في سلسلة من وراء ظهره حتى يندقَّ ظهره، ثم يلقى في النّار.
وقيل : يفعل به ذلك ليكون أشد لعذابه، وأكثر لتشويهه.
وقيل : تسحبهم الملائكة إلى النَّار، تارةً تأخذ بناصيته، وتجرّه على وجهه، وتارةً تأخذ بقدميه وتسحبه على وجهه.
فإن قيل : ما وجه إفراد » يُؤخَذ « مع أن المجرمين جمع، وهم المأخوذون؟.
فالجواب من وجهين : الأول : أن قوله :» يُؤخَذُ « متعلق » بالنواصي «، كقولك : ذهب يزيد.
والثاني : أن يتعلق بما يدلّ عليه » يؤخذ «، فكأنه قال : يؤخذ المأخوذون بالنواصي.