وقال الضحاك : بل شرب ذات يوم لبناً على ظمأ، فأعجبه فسأل عنه، فأخبر أنه من غير حلٍّ فاستقاءه ورسول الله ﷺ ينظر إليه، فقال :« رحمكَ اللَّهُ لقَدْ أنْزِلَتْ فِيْكَ آيَةٌ »، وتلا عليه هذه الآية.
قوله تعالى :« ذَوَاتَا ». صفة ل « جَنَّتان »، أو خبر مبتدأ محذوف، أي :« هما ذواتا ».
وفي تثنية « ذات » لغتان :
الرد إلى الأصل، فإن أصلها « ذوية »، فالعين واو، واللام ياء؛ لأنها مؤنثة « ذو ».
الثانية : التثنية على اللفظ. فيقال :« ذواتا ».
و « الأفنان » : فيه وجهان.
أحدهما : أنه جمع « فَنَن » ك « طلل »، وهو الغصن.
قال النابغة الذبياني :[ الوافر ]
٤٦٥٢- بُكَاءُ حَمَامَةٍ تَدْعُو هَدِيلاً | مُفَجَّعَةٍ على فَنَنٍ تُغَني |
٤٦٥٣- رُبَّ وَرْقَاءَ هَتُوفٍ بالضُّحَى | ذَاتِ شَجْوٍ صَدَحَتْ في فَنَنِ |
٤٦٥٤-.................. | عَلَى كُلِّ أفْنَانِ العِضَاهِ تَرُوقُ |
قال الشاعر يصف رحى :[ الرجز ]
٤٦٥٥- لَهَا زِمَامٌ مِنْ أفَانِينِ الشَّجَرْ... وشجرة فناء : أي ذات أفنان، وفنواء أيضاً على غير قياس.
وفي الحديث :« أنَّ أهْلَ الجنَّةِ مُردٌ مُكَحَّلُون أولُو أفَانِيْن ».
وهو جمع أفنان، وأفنان : جمع « فَنَن » من الشعر، شبه بالغصن. ذكره الهروي.
وقيل :« ذواتا أفنان » أي : ذواتا سعة وفضل على ما سواهما. قاله قتادة.
وعن مجاهد أيضاً وعكرمة : أن الأفنان ظل الأغصان على الحِيْطان.
وقال مجاهد : الفنن : هو الغصن المستقيم طولاً.
الوجه الثاني : أنه جمع « فنّ » ك « دنّ »، وإليه أشار ابن عبَّاس.
والمعنى : ذواتا أنواع وأشكال؛ وأنشدوا :[ الطويل ]
٤٦٥٦- ومِنْ كُلِّ أفْنَانِ اللذَاذَةِ والصِّبَا | لَهَوْتُ بِهِ والعَيْشُ أخضرُ نَاضِرُ |
قوله تعالى :﴿ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ ﴾ أي : في كل واحدة منهما عينٌ جارية، كما قال تعالى :﴿ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ ﴾ [ الغاشية : ١٢ ] تجريان ماء بالزيادة، والكرامة من الله - تعالى - على أهل الجنَّة.
وعن ابن عباس أيضاً والحسن : تجريان بالماء الزلال، إحدى العينين : التسنيم؛ والأخرى السلسبيل.
وقال ابن عطية : إحداهما من ماء غير آسن، والأخرى من خمر لذّة للشَّاربين.
وقيل : تجريان من جبل من مسك.
وقال أبو بكر الوراق : فيهما عينانِ تجريانِ، لمن كانت عيناه في الدنيا تجريان من مخافة الله تعالى.