قوله تعالى :﴿ فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ ﴾، أي : صنفان ونوعان.
قيل : معناه : أن فيهما من كل ما يتفكه به ضربين رطباً ويابساً.
وقال ابن عبَّاس : ما في الدنيا ثمرة حُلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى الحَنْظل إلاّ أنه حلو.
فإن قيل : قوله تعالى :﴿ ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ ﴾، و ﴿ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ ﴾، و ﴿ فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ ﴾. أوصاف للجنتين المذكورتين، فهو كالكلام الواحد، تقديره :« جنتان ذواتا أفنان، وفيهما عَيْنَان تجريان، وفيهما من كل فاكهة زوجان » فما الفائدة في فصل بعضها عن بعض بقوله :﴿ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ ؟ مع أنه لم يفصل حين ذكر العذاب بين الصفات، بل قال :﴿ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ ﴾ [ الرحمن : ٣٥ ] مع أن إرسال النُّحاس غير إرسال الشُّواظ. وقوله :« يَطُوفُون » كلام آخر؟.
فالجواب : أنه جمع العذاب جملة، وفصل آيات الثواب ترجيحاً لجانب الرحمة على جانب العذاب، وتطييباً للقلب، وتهييجاً للسَّامع؛ فإن إعادة ذكر المحبوب محبوب، وتطويل الكلام في اللذات مستحسن.
فإن قيل : ما وجه توسيط آية العينين بين ذكر الأفنان، وآية الفاكهة والفاكهة إنما تكون على الأغصان، فالمناسبة ألاّ يفصل بين آية الأغصان والفاكهة؟.
فالجواب : أنه على عادة المتنعمين إذا خرجوا يتفرجون في البستان، فأول قصدهم الفرجة بالخضرة والماء، ثم يكون الأكل تبعاً.
قوله :« متّكِئين » يجوز أن يكون حالاً من « منْ » في قوله ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ وإنما جمع حملاً على معنى « مَنْ » بعد الإفراد حملاً على لفظها.
وقيل : حال عاملها محذوف، أي : يتنعمون متكئين.
وقيل : منصوب على الاختصاص.
والعامة على :« فُرُش » بضمتين، وأبو حيوة : بضمة وسكون، وهي تخفيف منها.
قوله تعالى :﴿ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ﴾ هذه الجملة يجوز أن تكون مستأنفة والظاهر أنها صفة ل « فُرش ». وتقدم الكلام في « الاستبرق » في سورة الكهف.
وقال أبو البقاء : أصل الكلمة فعل على « اسْتَفْعَلَ »، فلما سمي به قطعت همزته.
وقيل : هو أعجمي، وقرىء بحذف الهمزة، وكسر النون، وهو سهو؛ لأن ذلك لا يكون في الأسماء، بل في المصادر والأفعال. انتهى. أما قوله : وهو سهو؛ لأن ذلك لا يكون إلا في الأسماء... الخ.
يعني أن حذف الهمزة في الدَّرج لا يكون إلا في الأفعال والمصادر.
وأما الأسماء فلا تحذف همزاتها؛ لأنها همزات قطع.
قال شهاب الدين :« وهذا الكلام أحق بأن يكون سهواً؛ لأنا أولاً لا نسلم أن هذه القراءة من حذف همزة القطع إجراءً لها مجرى همزة الوصل، وإنما ذلك من باب نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، وحركة الهمزة كانت كسرة، فحركة النون حركة نقل لا حركة التقاء الساكنين ».
ثم قوله :« إلا في الأفعال والمصادر » ليس هذا الحَصْر بصحيح اتفاقاً لوجود ذلك في أسماء عشرة ليست بمصادر تقدم ذكرها في أول الكتاب.