قال ابن الخطيب : قوله :« عَلى فُرُشٍ » متعلق بما في « مُتَّكئينَ »، كأنه يقول : يتَّكئون على فرش، كما يقال : فلان اتكَّأ على عصاه، أو على فخذيه، وهذا لأن الفراش لا يتكأ عليه، وإن كان متعلقاً بغيره فما هو؟.
فنقول : تقديره : يتفكّه الكائنون على فرش متكئين، من غير بيان ما يتكئون عليه.
فصل في تحرير معنى الاستبرق
« الإسْتَبْرَقُ » : ما غلظ من الدِّيباج.
قال ابن مسعود، وأبو هريرة : إذا كانت البطانة التي تلي الأرض هكذا فما ظنك بالظهارة؟.
وقيل لسعيد بن جبير : البطائن من إستبرق فما الظواهر؟.
قال : هذا مما قال الله :﴿ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ [ السجدة : ١٧ ].
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إنما وصف لكم بطائنها لتهتدي إليه قلوبكم، فأما الظواهر فلا يعلمها إلا الله.
قال القرطبي : وفي الخبر عن النبي ﷺ أنه قال :« ظَواهِرُهَا نُورٌ يتلألأُ » وعن الحسن : البطائن هي الظَّواهر، وهو قول الفراء.
روي عن قتادة : والعرب تقول للبطن : ظهراً، فيقولون : هذا بطن السماء، وظهر الأرض.
وقال الفرَّاء : قد تكون البطانة : الظهارة، والظهارة : البطانة؛ لأنَّ كل واحد منهما يكون وجهاً، والعرب تقول : هذا ظهر السماء، وهذا بطن السماء لظاهرها الذي تراه.
وأنكر ابن قتيبة وغيره هذا، وقالوا : لا يكون هذا إلاَّ في الوجهين المتساويين إذا ولي كل واحد منهما قوماً كالحائط بينك وبين قوم، وعلى ذلك أمر السماء.
وقال ابن عباس : وصف البطائن وترك الظواهر؛ لأنه ليس في الأرض أحد يعرف ما الظَّواهر.
فصل في أن الإستبرق معرب
قال ابن الخطيب : الإستبرق معرب، وهو الدِّيْبَاج الثخين، وكما أن الديباج معرب بسبب أن العرب لم يكن عندهم ذلك إلا من العجم تصرفوا فيه، وهو أن أصله بالفارسية « ستبرك » بمعنى : ثخين، فزادوا في أوله همزة، وبدلوا الكاف قافاً، أما الهمزة فلأن حركات أوائل الكلم في لسان العجم غير مبنية في كثير من المواضع، فصارت كالسكون، فأثبتوا فيه همزة كما يجلبون همزة الوصل عند سكون أول الكلمة، ثم إنَّ البعض جعلوها همزة وصل، وقالوا :« مِن اسْتَبْرَقٍ ». والأكثرون جعلوها همزة قطع؛ لأن أول الكلمة في الأصل متحرك، لكن بحركة فاسدة، فأتوا بهمزة تسقط عنهم الحركة الفاسدة، وتمكنهم من تسكين الأول؛ لأن عند تساوي الحركة العود إلى السُّكون أقرب، وأواخر الكلمات عند الوقف تسكن، ولا تبدل حركة بحركة.
وأما القافُ فلأنهم أرادوا إظهار كونها فارسية أو أعجمية، فأسقطوا منها الكاف التي هي حرف تشبيه، وعلى لسان العرب في أواخر الكلم للخطاب لو تركت الكاف لاشتبه « ستبرك » ب « مسجدك »، إذا لحقت كاف الخطاب بهما، فلو تركت الكاف قافاً أولاً، ثم ألحقت الهمزة بأولها، وهذا ومثله لا يخرج القرآن عن كونه عربيًّا؛ لأن العربي ما نطقت به العرب وضعاً واستعمالاً من لغة غيرها، وذلك كله سهلٌ عليهم، وبه يحصل الإعجاز، بخلاف ما لم يستعملوه من كلام العجم لصعوبته عليهم، وذكر الاتكاء؛ لأنه حال الصَّحيح الفارغ القلب المتنعم، بخلاف المريض والمهموم.