قوله تعالى :﴿ وَجَنَى الجنتين دَانٍ ﴾ مبتدأ وخبر، وأصله :« دان » مثل « غاز » فأعل كإعلاله.
وقرأ عيسى بن عمر :« وجَنِي » بكسر النون.
وتوجيهها : أن يكون أمال الفتحة لأجل الألف، ثم حذف لالتقاء الساكنين، وأبقى إمالة النون نحو الكسرة وقرىء :« وجِنَى » بكسر الجيم، وهي لغة.
والجنى : ما يقطف من الثِّمار، وهو « فَعْلٌ » بمعنى « مفعول » كالقَبْضِ والقنص.

فصل في المراد بالجنى


قال القرطبي :« الجنى » : ما يُجْتنى من الشجر، تقول : أتانا الشجر بجناة طيبة لكل ما يجتنى، وثمرة جنيٌّ على « فَعِيل » حين جُني.
قوله :« دانٍ » أي : قريب.
قال ابن عبَّاس : تدنو الشجرة حين يجتنيها ولي الله إن شاء قائماً، وإن شاء قاعداً، وإن شاء مضطجعاً.
وقال قتادة : لا يرد يده بعد، ولا شوك.
قال ابن الخطيب : جنة الآخرة مخالفة لجنّة الدنيا من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الثمرة على رءوس الشجر في الدنيا بعيدة على الإنسان المتّكىء، وفي الجنة هو متكىء، والثمرة تتدلى إليه.
ثانيها : أن الإنسان في الدنيا يسعى إلى الثمرة، ويتحرك إليها، وفي الآخرة هي تدنُو إليهم، وتدور عليهم.
وثالثها : أنَّ الإنسان في الدنيا إذا قرب من ثمر شجرة بعد عن غيرها، وثمار الجنة كلها تدنو إليهم في وقت واحد، ومكان واحد.
قوله تعالى :﴿ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطرف ﴾.
اختلف في هذا الضمير.
فقيل : يعود على الجنات.
فإن قيل : كيف تقدّم تثنيته في قوله :﴿ فِيهِمَا عَيْنَانِ ﴾، و ﴿ فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ ﴾ ثم أتى بضمير جمع؟.
فالجواب : أن أقلّ الجمع اثنان على قول، وله شواهد تقدم أكثرها، أو يقال : عائد إلى الجنَّات المدلول عليها بالجنتين.
أو يقول : كل فرد فرد له جنتان فصح أنها جنان كثيرة، وإما أن الجنة تشتمل على مجالس وقصور ومنازل، فأطلق على كل واحد منها جنة.
وقيل : يعود على الفرش.
قال الزمخشري :« فِيهِنَّ » أي : في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين، والفاكهة والفرش والجنى.
قال أبو حيان :« وفيه بُعْد » وكأنه قد استحسن الوجه الأول وفيه نظر؛ لأن الاستعمال أن يقال : على الفراش كذا، ولا يقال : في الفراش كذا إلا بتكلّف.
فلذلك جمع الزمخشري مع الفرش غيرها حتى صح له أن يقول :« فيهن » بحرف الظرفية؛ ولأن الحقيقة أن يكون الإنسان على الفرش لأنه مستعمل عليها.


الصفحة التالية
Icon