وأما كونها فيها فلا يقال إلا مجازاً.
وقال الفراء : كل موضع في الجنة، فلذلك صح أن يقال :« فيهن ».
والقاصرات : الحابسات الطَّرف : أي يحبسن أعينهن عن غير أزواجهن.
ومعناه : قصرن ألحاظهن على أزواجهن.
قال امرؤ القيس :[ الطويل ]
٤٦٥٧- مِنَ القَاصِرَاتِ الطَّرْفِ لَوْ دَبَّ مِحْوَلٌ | مِنَ الذّرِّ فوقَ الإتبِ مِنْهَا لأثَّرَا |
وقيل : معناه : قاصرات طرف غيرهن عليهن إذا رآهن أحد لم يتجاوز طرفه إلى غيرهن.
ووحد الطرف مع الإضافة إلى الجمع؛ لأنه في معنى المصدر، من طرفت عيناه تطرف طرفاً، يقال : ما فيها عين تطرف، ثم سميت العين بذلك، فأدى عن الواحد والجمع، كقولهم :« قَومٌ عَدْل، وصَوْم ». قاله القرطبي.
واعلم أن هذا الترتيب في غاية الحسن؛ لأنه بيَّن أولاً المَسْكن وهو الجنة، ثم بين ما يتنزّه به وهو البستان، والأعين الجارية، ثم ذكر المأكول، فقال :﴿ فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ ﴾، ثم ذكر موضع الرَّاحة بعد الأكل وهو الفرش، ثم ذكر ما يكون في الفراش معه.
قال ابن الخطيب : وقوله :﴿ قَاصِرَاتُ الطرف ﴾.
أي : نساء أو أزواج، فحذف الموصوف لنكتة وهو أنه - تعالى - لم يذكرهُنّ باسم الجنس، وهو النساء بل بالصفات، فقال :﴿ وَحُورٌ عِينٌ ﴾ [ الواقعة : ٢٢ ]، ﴿ وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً ﴾ [ النبأ : ٣٣ ] ﴿ قَاصِرَاتُ الطرف ﴾، ﴿ حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ ﴾ [ الرحمن : ٧٢ ] ولم يقل : نساء عُرباً، ولا نساء قاصرات، لوجهين :
إما على عادة العظماء كبنات الملوك إنما يذكر بأوصافهنّ، وإما لأنهن لما كملن كأنهن خرجن من جنسهن.
وقوله تعالى :﴿ قَاصِرَاتُ الطرف ﴾ يدل على عفّتهن، وعلى حسن المؤمنين في أعينهن، فيحببن أزواجهن حبًّا يشغلهنَّ عن النَّظر إلى غيرهم، ويدل أيضاً على الحياء؛ لأن الطرف حركة الجفن، والحييَّةُ لا تحرك جفنها، ولا ترفع رأسها.
قوله تعالى :﴿ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ ﴾.
هذه الجملة يجوز أن تكون نعتاً ل « قاصرات »، لأن إضافتها لفظية، كقوله تعالى :﴿ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ﴾ [ الأحقاف : ٢٤ ].
وقوله :[ البسيط ]
٤٦٥٨- يَا رُبَّ غَابِطِنَا لَوْ كَانَ يَطْلُبُكُمْ | ................... |
واختلف في هذ الحرف والذي بعده عن الكسائي، فنقل عنه أنه يجيء في ضم أيهما شاء.
ونقل عنه الدوري ضم الأول فقط.
ونقل عنه أبو الحارث : ضم الثاني فقط، وهما لغتان.
يقال : طَمَثَها يَطْمِثها ويَطْمُثها إذا جامعها، لما روى أبو إسحاق السبيعي قال : كنت أصلي خلف أصحاب عليٍّ فأسمعهم يقولون :« لم أطْمِثْهُنّ » بالرفع، وكنت أصلي خلف أصحاب عبد الله فأسمعهم يقولون : بكسر الميم، وكان الكسائي يضم إحداهما، ويكسر الأخرى لئلاّ يخرج عن هذين الأثرين.
وأصل « الطَّمْث » : الجماع المؤدّي إلى خروج دم البكر، ثم أطلق على كل جماع طمث، وإن لم يكن معه دم.