وقال مجاهد :« الهَبَاء » : الشعاع الذي يكون في الكُوة كهيئة الغُبَار، وروي نحوه عن ابن عباس.
وعنه أيضاً : أنه ما تطاير من النَّار إذا اضطربت يطير منها شرر فإذا وقع لم يكن شيئاً.
وقال عطية :« المنبث » : المتفرق، قال تعالى :﴿ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ ﴾ [ البقرة : ١٦٤ ] أي : فرق ونشر.
قوله :﴿ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً ﴾.
أي : أصنافاً ثلاثة، كل صنف يشاكل كل ما هو منه كما يشاكل الزوج الزوجة، ثم بين من هم، فقال :﴿ فَأَصْحَابُ الميمنة ﴾، ﴿ وَأَصْحَابُ المشأمة ﴾، ﴿ والسابقون ﴾.
قوله :﴿ فَأَصْحَابُ الميمنة مَآ أَصْحَابُ الميمنة ﴾.
« أصحاب » الأول مبتدأ، و « ما » استفهامية - فيه تعظيم - مبتدأ ثاني، و « أصحاب » الثاني خبره، والجملة خبر الأول، وتكرار المبتدأ الأول هنا بلفظه مغنٍ عن الضمير، ومثله :﴿ الحاقة مَا الحآقة ﴾ [ الحاقة : ١، ٢ ]، ﴿ القارعة مَا القارعة ﴾ [ القارعة : ١، ٢ ] ولا يكون ذلك إلا في مواضع التَّعظيم.
فإن قيل : إن « ما » نكرة وما بعدها معرفة، فكان ينبغي أن يقال :« ما » خبر مقدم، و « أصحاب » الثاني وشبهه مبتدأ؛ لأن المعرفة أحق بالابتداء من النكرة؟ وهذا السؤال واردٌ على سيبويه في مثل هذا.
وفي قولك :« كَمْ مالك، ومرَرْتُ بِرَجُلٍ خَيْرٍ منهُ أبُوه » فإنه يعرب « ما » الاستفهامية، و « كم » و « أفعل » مبتدأ وما بعدها خبرها.
والجواب : أنه كثر وقوع النكرة خبراً عن هذه الأشياء كثرة متزايدة، فاطَّرد الباب، ليجري على سنن واحدة، هكذا أجابوا.
وهذا لا ينهض مانعاً من جواز أن يكون « ما » و « كَمْ » و « أفْعَل » خبراً مقدماً ولو قيل به لم يكن خطأ، بل أقرب إلى الصَّواب.
و « الميمنة » « مَفْعَلَة » من لفظ اليمين، وكذلك « المشأمة » من اليد الشؤمى وهي الشمال لتشاؤم العرب بها، أو من الشُّؤم.
فصل في تحرير معنى الآية
قال السدي :« أصحاب الميمنةِ » هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، و « أصحاب المَشْأمة » هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النَّار.
و « المَشْأمة » : الميسرة، وكذلك الشَّأمة، يقال : قعد فلان شأمة.
ويقال : شائم بأصحابك أي : خذ بهم شأمة أي : ذات الشمال والعرب تقول لليد الشمال : الشؤمى، وللجانب الشمال : الأشأم.
وكذلك يقال لما جاء عن اليمين : اليمن، ولما جاء عن الشمال : الشُّؤم.
قال البغوي :« ومنه سمي » الشَّام واليمن «؛ لأن » اليمن « عن يمين الكعبة، و » الشام « عن شمالها ».
قال ابن عباس والسدي :« أصْحَابُ المَيْمَنَةِ » هم الذين كانوا عن يمين آدم حين أخرجت الذُّرية من صلبه، فقال الله لهم : هؤلاء في الجنة ولا أبالي.