وقال زيد بن أسلم : هم الذين أخذوا من شق آدم الأيمن يومئذ، وأصحاب المشأمة الذين أخذوا من شق آدم الأيسر.
وقال عطاء ومحمد بن كعب :« أصْحَابُ الميمنةِ من أوتي كتابه بيمينه، وأصحاب المشأمة من أوتي كتابه بشماله ».
وقال ابن جريج :« أصحاب الميمنة » هم أصحاب الحسنات، وأصحاب المشأمة؛ هم أهل السيئات.
وقال الحسن والربيع :« أصحاب الميمنة » الميامين على أنفسهم بالأعمال الصالحة، وأصحاب المشأمة : المشائيم على أنفهسم بالأعمال السيئة.
وفي صحيح مسلم من حديث « الإسراء » عن أبي ذرٍّ عن النبي ﷺ قال :« فَلمَّا عَلوْنَا السَّماء الدُّنيا، فإذَا رجلٌ عن يَمينهِ أسْودةٌ، وعنْ يَسارِهِ أسودةٌ، قال فإذَا نظر قبل يَمينِه ضَحِكَ، وإذَا نَظَرَ قبلَ شمالِهِ بكَى، قال : فقال : مَرْحَباً بالنبيِّ الصَّالحِ والابْنِ الصَّالح، قال : فقُلْتُ : يا جِبْريلُ منْ هذَا؟.
قال : هذا آدمُ - ﷺ - وهذه الأسودةُ عن يمينه وعن شمالهِ بَنُوه فأهْلُ اليَمِينِ أهْلُ الجنَّةِ، والأسودةُ الَّتي عن شمالهِ أهْلُ النَّارِ » وذكر الحديث.
وقال المبردُ :« أصحاب الميمنة » أصحاب التقدم، وأصحاب المشأمة أصحاب التأخُّر والعرب تقول : اجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالك أي : اجعلني من المتقدمين ولا تجعلني من المتأخرين.
ثم عجب نبيه ﷺ فقال :﴿ مَآ أَصْحَابُ الميمنة ﴾ وهذا كما يقال :« زَيْدٌ مَا زَيْدٌ »، يريد « زيد شديد » فالتكرير في ﴿ مَآ أَصْحَابُ الميمنة ﴾، و ﴿ مَآ أَصْحَابُ المشأمة ﴾ للتَّفخيم والتعجُّب، كقوله :﴿ الحاقة مَا الحآقة ﴾ [ الحاقة : ١، ٢ ]، و ﴿ القارعة مَا القارعة ﴾ [ القارعة : ١، ٢ ] كما يقال :« زَيْدٌ ما زيدٌ ».
وفي حديث أم زرع رضي الله عنها :« مالك، وما مالك؟ ».
والمقصود : تكثير ما لأصحاب الميمنة في الثواب، وأصحاب المشأمة من العقاب.
والفاء في قوله :« فأصْحَاب » تدل على التقسيم، وبيان ما ورد عليه التقسيم، كأنه قال : أزواجاً ثلاثة : أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، والسابقون، وبين حال كل قسم فقال :﴿ مَآ أَصْحَابُ الميمنة ﴾ وترك التقسيم أولاً، واكتفى بما يدل عليه بأن تُذكر الأقسام الثلاثة مع أحوالها.
فإن قيل : ما الحكمة في اختيار لفظ « المشأمة » في مقابلة « الميمنة » مع أنه قال في بيان أحوالهم ﴿ وَأَصْحَابُ الشمال مَآ أَصْحَابُ الشمال ﴾ ؟ [ الواقعة : ٤١ ].
فالجواب : أنَّ اليمين وضع للجانب المعروف، واستعملوا منها ألفاظاً في مواضع فقالوا :« هذا ميمون » تيمناً به، ووضعوا مقابلة اليمين اليسار من الشيء اليسير إشارة إلى ضعفه، ولفظ الشمال في مقابلته، واستعملوا منه ألفاظاً تشاؤماً به، فذكر « المشأمة » [ في ] مقابلة [ « الميمنة » ] [ وذكر الشمال في مقابلة اليمين ] فاستعمل كل لفظ مع ما يقابله.