ثم سوى في أصحاب اليمين بين الأولين والآخرين.
قال ابن الخطيب : وعلى هذا فقوله :﴿ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً ﴾ يكون خطاباً مع الموجودين وقت التنزيل، ولا يكون فيه بيان الأولين الذين كانوا قبل نبينا - ﷺ - وهذا ظاهر؛ لأن الخطاب لا يتعلق إلاَّ بالموجودين من حيث اللفظ، ويدخل فيه غيره بالدليل.
ووجه آخر : أن المراد بالأولين الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وبالآخرين، أي : ذرياتهم الملحقون بهم في قوله تعالى :﴿ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ [ الطور : ٢١ ].
وقال الزَّجَّاج : الذين عاينوا جميع النبيين من لدُن آدم وصدقوهم أكثر مما عاين النبي ﷺ.
قوله تعالى :﴿ على سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ ﴾.
أي : السَّابقون في الجنة على سرر، أي : مجالسهم على سُرر، جمع سرير.
وقرأ زيد بن علي، وأبو السمال :« سُرَر » بفتح الراء الأولى وقد تقدم أنها لغة لبعض بني « كلب » و « تميم ».
و « المَوضُونَة » : قال ابن عباس : منسوجة بالذهب.
وقال عكرمة : مشبكة بالدُّر والياقوت.
وعن ابن عباس أيضاً :« مَوضُونةٌ » أي : مصفوفة، لقوله تعالى في موضع :﴿ على سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ ﴾ [ الطور : ٢٠ ].
وعنه، وعن مجاهد أيضاً : مرمُولة بالذهب.
وقيل :« مَوضُونة » : منسوجة بقضبان الذهب مُشَبَّكةٌ بالدّر والياقوت.
و « الموضونة » : المنسوجة، وأصله من وضَنْتُ الشَّيء، أي ركبته بعضه على بعض.
ومنه قيل للدِّرع :« موضونة »؛ لتراكب حلقها.
قال الأعشى : المتقارب ]

٤٦٧٤- ومِنْ نَسْجِ دَاوُدَ موضُونَةً تَسِيرُ مَعَ الحَيِّ عِيراً فَعِيرَا
وعنه أيضاً : وضِينُ الناقة، وهو حِزامُهَا لتراكُب طاقاته؛ قال :[ الرجز ] مُخَالِفاً دينَ النَّصارَى دِينُهَا... وقال الرَّاغب :« الوَضْن : نسْج الدِّرع، ويستعار لكلّ نسج محكم ».
٤٦٧٥- إلَيْكَ تَعْدُو قَلِقاً وضينُهَا مُعْتَرِضاً فِي بَطْنِهَا جَنينُهَا
فجعله أصلاً في نسيج الدروع.
وقال الآخر :[ الوافر ]
٤٦٧٦- أقُولُ وقَدْ دَرَأتُ لَهَا وَضِيني أهَذَا دِينُهُ أبداً وَدِينِي؟
أي حزامي.
و « الوضينُ » : هو الحَبْل العريض الذي يكون منه الحَزْم لقوّة سداه ولُحْمته، والسرير الموضون الذي سطحه بمنزلة المنسوج.
قال القرطبي « ومنه الوضين بطانٌ من سُيُور ينسج، فيدخل بعضه في بعض ».
قوله :﴿ مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ﴾.
حالان من الضمير في « عَلى سُرُرٍ ».
ويجوز أن تكون حالاً متداخلة، فيكون « متقابلين » حالاً من ضمير « مُتَّكئِينَ ».

فصل في معنى الآية


« مُتَّكِئينَ » على السّرر، « مُتَقَابلينَ » لا يرى بعضهم قفا بعض، بل تدور بهم الأسرَّة.
والمعنى : أنهم كائنون على سُرر متكئين على غيرها كحال من يكون على كرسي، فيوضع تحته شيء آخر للاتِّكاء عليه.
قال مجاهد وغيره : هذا في المؤمن وزوجته وأهله، أي : يتكئون متقابلين.
قال الكلبي : طول كل سرير ثلاثمائة ذراع، فإذا أراد العبد أن يجلس عليها تواضعت، فإذا جلس عليها ارتفعت.


الصفحة التالية
Icon