قوله :﴿ يَطُوفُ ﴾.
يجوز أن يكون حالاً، وأن يكون استئنافاً.
﴿ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ ﴾ أي : غلمان لا يموتون. قاله مجاهد.
والمعنى : لا موت لهم ولا فناء، أو بمعنى لا يتغير حالهم، ويبقون صغاراً دائماً.
وقال الحسن والكلبي : لا يهرمُون ولا يتغيرون.
ومنه قول امرىء القيس :[ الطويل ]

٤٦٧٧- وهَلْ يَنْعَمَنْ إلاَّ سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ قَلِيلُ الهُمُومِ ما يَبِيتُ بأوْجَالِ
وقال سعيد بن جبير :« مخلّدون » مُقَرَّطُون.
يقال للقُرْط : الخَلَدة، ولجماعة الحُلِيّ : الخِلدة.
وقيل : مسوَّرون، ونحوه عن الفراء.
قال الشاعر :[ الكامل ]
٤٦٧٨- ومُخَلَّداتٍ باللُّجَيْنِ كأنَّمَا أعْجَازُهُنَّ أقَاوِزُ الكُثْبَانِ
وقيل : مقرطون، يعني : مُمَنْطَقُون من المناطق.
وقال عكرمة :« مخلّدون » منعمون.
وقيل : على سنٍّ واحدة، أنشأهم الله لأهل الجنة يطوفون عليهم، كما شاء من غير ولادة؛ لأن الجنة لا ولادة فيها.
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - والحسن البصري :« الوِلْدَان » هاهنا ولدان المسلمين الذين يموتون صغاراً، ولا حسنة لهم ولا سيّئة.
وقال سلمان الفارسي : أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة.
قال الحسن : لم يكن لهم حسنات يجازون بها، ولا سيئات يعاقبون عليها، فوضعوا هذا الموضع، والمقصود أن أهل الجنة على أتم السرور والنعمة.
قوله :« بِأكْوَابٍ » متعلق ب « يَطُوفُ ».
و « الأكواب » : جمع كوب، وهي الآنيةُ التي لا عُرَى لها ولا خراطيم، وقد مضت في « الزخرف » و « الأباريق » : جمع إبريق، وهي التي لها عُرَى وخراطيم، واحدها : إبريق، وهو من آنِيَة الخَمْر، سُمِّيَ بذلك لبريق لونه من صفائه.
قال الشاعر :[ البسيط ]
٤٦٧٩- أفْنَى تِلادِي ومَا جَمَّعْتُ مِنْ نَشَبٍ قَرْعُ القَوارِيرِ أفْواهُ الأبَارِيقِ
وقال عديُّ بن زيد :[ الخفيف ]
٤٦٨٠- وتَدَاعَوْا إلى الصَّبُوح فَقَامَتْ قَيْنَةٌ فِي يَمينهَا إبْرِيقُ
وقال آخر :[ البسيط ]
٤٦٨١- كَأنَّ إبْرِيقَهُمْ ظَبْيٌ على شَرَفٍ مُقَدَّمٌ بِسَبَا الكتَّانِ مَلْثُومُ
ووزنه « إفْعِيل » لاشتقاقه من البريق.
قوله :﴿ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ ﴾ تقدم في « الصافات ».
و « المعين » : الجاري من ماء أو خمر، غير أن المراد هنا الخمر الجارية من العيون.
وقيل : الظاهرة، فيكون « مَعِين » مفعول من المعاينة.
وقيل : هو « فَعِيل » من المَعْنِ، وهو الكثرة.
قال ابن الخطيب : هو مأخوذ من مَعن الماء إذا جرى.
وقيل : بمعنى « مَفْعُول »، فيكون من « عانه » إذا شخصه بعينه وميزه.
قال : والأول أظهر؛ لأن المعيون يوهم بأنه معيوب.
يقال : ضربني بعينه أي : أصابني بعينه؛ ولأن الوصف [ بالمفعول ] لا فائدة فيه.
وأما الجريان في المشروب فإن كان في الماء فهو صفة مدح، وإن كان في غيره، فهو أمر عجيب لا يوجد في الدنيا، فيكون كقوله تعالى :﴿ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ﴾


الصفحة التالية
Icon