قال الشاعر :[ الكامل ]

٤٦٨٩- غَلَبَ العَزَاءُ وكُنْتُ غَيْرَ مُغَلَّبٍ دَهْرٌ طويلٌ دائمٌ مَمْدُودُ
وفي « صحيح الترمذي » وغيره عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال :« في الجَنَّة شَجَرةٌ يسيرُ الرَّاكِبُ في ظلِّها مائة عامٍ، لا يَقْطَعُهَا، اقرءوا إن شِئْتُم :﴿ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ ﴾ ».
وهذا الحديث يرد قول ابن الخطيب من أنه ليس ظل الأشجار.
قوله :﴿ وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ ﴾.
أي : مصبوب بكثرة.
وقيل : جارٍ لا ينقطع.
وأصل السَّكْب : الصَّب، يقال : سَكَبَهُ سَكْباً، والسكوب : انصبابه، يقال : سَكَبَ سُكُوباً.
وانصب انسكب انسكاباً.
ومعنى الآية : وماء مصبوب يجري في غير أخدود لا ينقطع عنهم.
قال ابن الخطيب : معناه : مسكوب من فوق؛ لأن أكثر ماء العرب من الآبار والبرك فلا ينسكب.
وقيل : جارٍ في غير أخدود [ بأبحر ] الهواء.
وكانت العرب أصحاب بادية، [ وبلادها ] حارة، وكانت الأنهار في بلادهم عزيزة لا يصلون إلى الماء إلا بالدَّلو والرِّشاء، فوعدوا في الجنة خلاف ذلك.
قوله :﴿ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ﴾.
قرىء : برفع « فاكِهَةٌ ».
أي : وهناك، أو ولهم، أو فيها، أو وثمَّ فاكهة.
قال ابن الخطيب : لما ذكر الأشجار التي يطلب منها ورقها، وذكر بعدها الأشجار التي يقصد بها ثمرها، ذكر الفاكهة بعد ذكر الأشجار انتقالاً من نعمة إلى نعمة، ووصفت بالكثرة دون الطيب واللذة؛ لأن الفاكهة تدل عليها.
قوله :« لا مقطوعةٍ ». فيه وجهان :
أظهرهما : أنه نعت ل « فاكهة »، و « لا » للنَّفي، كقولك :« مررت برجل لا طويل ولا قصير » ولذلك لزم تكرارها.
والثاني : هو معطوف على « فاكهة »، و « لا » عاطفة. قاله أبو البقاء.
وحينئذ لا بد من حذف موصوف، أي : لا فاكهة مقطوعة، لئلاَّ تعطف الصفة على موصوفها.
والمعنى : ليست كفواكه الدُّنيا تنقطع في أوقات كثيرة، وفي كثير من المواضع، « ولا ممنوعة » أي : لا تمنع من الناس لغلوّ أثمانها.
وقيل : لا يحظر عليها كثمار الدنيا.
وقيل : لا تمنع من أرادها بشوك، ولا بُعد ولا حائط، بل إذا اشتهاها العبد دنت منه حتى يأخذها، قال تعالى :﴿ وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً ﴾ [ الإنسان : ١٤ ].
قوله :﴿ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ ﴾.
العامة : على ضم الراء، جمع :« فِرَاش ».
وأبو حيوة : بسكونها، وهي مخففة من المشهورة.
و « الفُرُش » : قيل : هي الفراش المعهُودة، مرفوعة على الأسرة.
وقيل : هي كناية عن النساء كما كنى عنهن باللِّباس، أي : ونساء مرتفعات الأقدار في حسنهن وكمالهن، والعرب تسمي المرأة فراشاً ولباساً وإزاراً، قاله أبو عبيدة وغيره.
قالوا : ولذلك أعاد الضمير عليهن [ في قوله ] :« إنَّا أنْشَأناهُنّ ».
وأجاب غيرهم بأنه عائد على النساء الدَّال عليهن الفراش.
وقيل : يعود على الحور المتقدمة.
وعن الأخفش :« هُنّ » ضمير لمن لم يجر له ذكر، بل يدل عليه السياق.


الصفحة التالية
Icon