٤٦٠١- بِلاَلُ خَيْرُ النَّاسِ وَابْنُ الأَخْيَرِ... وتثبت فيهما في التعجب نحو : ما أَخْيَرَهُ ومَا أَشَرَّهُ. ولا يحذف إلى في نُدَورٍ عكس أفعل التفضيل، قالوا : مَا خَيْرَ اللَّبَنَ للصّحيح، وَمَا شَرَّهُ لِلْمَبطُونِ. وهذا من محاسن الصِّناعة. وقرأ أبو قَيْس الأَوْدِيُّ ومجاهدٌ الحرف الثاني الأشُرُ بثلاث ضمات، وتخريجها على أن فيه لغةً أُشُر بضم الشين كحُذُر وَحَذُر، ثم ضمت الهمزة إِتباعاً لضمِّ الشين. ونقل الكسائي عن مجاهد ضم الشين وفتح الهمزة على أصل تِيكَ اللغة كَحَذُرٍ.
فصل
( الأَشر ) التحيّر والنشاط، يقال : فَرَسٌ أَشِرٌ إذا كان مَرِحاً نَشِطاً. قال امرؤ القيس يصف كلباً :
٤٦٠٢- فَيُدْرِكُنَا فَغِمٌ دَاجِنٌ | سَمِيعٌ بَصِيرٌ طَلُوبٌ نَكِرْ |
أَلَصّ الضُّرُوسِ حَنِيُّ الضُّلُوعِ | تَبُوعٌ أَرِيبٌ نَشِيطٌ أَشِرْ |
وفي قراءة أبي قلابة بفتح الشين وتشديد الراء فالمعنى أَشَرُّنَا وأَخْبَثُنَا.
فإن قيل : قولهم : بل هو كذاب يستدعي أمراً مضروباً عنه فما هو؟
فالجواب : قولهم : أألقي للإنكار فكأنهم قالوا : مَا ألقي، ثم إنَّ قولَهم : أألقي عليه الذكر لا يقتضي إلا أنه ليس بِنبِيٍّ، وقول القائل : ليس بِنبي لا يلزم منه أنه كاذب فكأنهم قالوا ليس بنبي، ثم قالوا : بل هو ليس بصادقٍ.
قوله :« فَسَيَعْلَمُونَ » قرأ ابنُ عامر وحمزةُ بالخطاب. وفيه وجهان :
أحدهما : أنه حكاية قول صالح لقومه.
والثاني : أنه خطاب الله على جهة الالتفات. والباقون بياء الغيبة جَرْياً على الغيب قبله في قوله :« فَقَالُوا أَبَشراً »، واختارها مَكِّيٌّ، قال : لأن عليها الأكثر.
و « غَداً » ليس المراد به الذي يلي يومك بل الزمان المستقبل، كقول الطِّرمَّاح ( رحمةُ الله عليه ورضاه ) :
٤٦٠٣- أَلاَ عَلِّلاَنِي قَبْلَ نَوْحِ النَّوَائِحِ | وَقَبْلَ اضْطِرَابِ النَّفْسِ بَيْنَ الجَوَانِحِ |
وَقَبْلَ غَدٍ يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَى غَدٍ | إذَا رَاحَ أَصْحَابِي وَلَسْتُ بِرَائِحِ |
فصل
الكذَّاب فعال صيغة مبالغة، لأن المنسوب إلى الشيء لا بدَّ له من أن يكثر من مزاولة الشيء، فإنَّ من خاط يوماً لا يقال له : خيَّاط فالمبالغة ههنا إما في الكثرة بأن يكون كثيرَ الكذب، وإمّا في الشدة أي شديد الكذب، يقول ما لا يقبله العقل. ويحتمل أن يكونوا وصفوه بذلك لاعتقادهم الأمرين جميعاً. وقولهم « أشِرٌ » إشارة إلى أنه كذب لا لضرورة وحاجة وإنما هو استغنى فبَطَرَ وطلب الرِّئَاسَةَ.
قوله :﴿ إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة ﴾ أي مُخْرِجُوهَا من الهَضَبَة التي سألوا.
وأتى باسم الفاعل والإضافة مبالغة في حقيقته كأنه وقع « فِتْنَةً » مفعول به، أو مصدر من معنى الأول أو في موضع الحال.