قوله :﴿ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾.
قال بعض الرافضة : عدم مناسبتها لما قبلها يدل على تغيير القرآن.
قال ابن الخطيب : وفي مناسبتها وجوه :
الأول : لعل استعجال الرسول إنما كان عند نزول هذه الآيات.
الثاني : أنه تقدم أن الإنسان يستعجل بقوله :﴿ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ﴾ ثم بين أن العجلة مذمومة في أمر الدين، فقال تعالى :﴿ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾، وقال تعالى بعدها :﴿ بَلْ تُحِبُّونَ العاجلة ﴾ [ القيامة : ٢٠ ].
الثالث : أنه قدم ﴿ بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴾ وكان ﷺ إنما يستعجل خشية النسيان، فقيل له ﷺ إن الأمور لا تحصل إلا بتوفيق الله - تعالى - وإعانته، فاعتمد على الله - تعالى - واترك التعجيل.
الرابع : كأنه قيل : غرضك من هذا التعجيل أن تحفظه، وتبلغه إليهم ليظهر صدقك، وقبح عنادهم، لكنهم يعلمون ذلك بقلوبهم، فلا فائدة في هذا التعجيل.
الخامس : أن الكافر لما قال :« أين المَفر »؟ كأنه يطلب الفرار من الله تعالى، فكن أنت يا محمد على مضادة الكافر، وفر من غير الله إلى الله.
السادس : قال القفالُ : الخطاب مع الإنسان المذكور في قوله ﴿ يُنَبَّأُ الإنسان ﴾ فإذا قيل له : اقرأ كتابك تلجلج لسانه، فيقال له : لا تعجل، فإنه يجب علينا بحكم الوعد، أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك ونقرأها عليك، فإذا قرآناه فاتَّبعْ قرآنه بالإقرار ﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾، وهذا فيه وعيد شديد وتهويل.
روى الترمذي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : كان النبي ﷺ إذا نزل عليه القرآن يحرك لسانه يريد أن يحفظه، فأنزل الله تعالى :﴿ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾.
قال : وكان يحرك شفتيه، فقال لي ابن عباس : أنا أحركهما كما كان رسول الله ﷺ يحركهما، فحرك شفتيه، فأنزل الله تعالى :﴿ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ قال : جمعه في صدرك ثم نقرؤه ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتبع قُرْآنَهُ ﴾ فاستمع وأنصت، ثم علينا أن نقرأه، فيقال :« فكان رسول الله ﷺ إذا أتاه جبريل - عليه السلام - استمع، وإذا نطق جبريل - عليه السلام - قرأه النبي ﷺ كما أقرأه » خرجه البخاري أيضاً.
ونظير هذه الآية :﴿ وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن مِن قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ﴾ [ طه : ١١٤ ]. وقد تقدم.
وقال عامر الشعبي : إنما كان يُعجِّل بذكره ﷺ إذا نزل عليه الوحي من حبّه له وحلاوته في لسانه مع الوحي مخافة أن ينساه ﷺ فنزلت :﴿ وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن ﴾ الآية.