ونزل :﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى ﴾ [ الأعلى : ٦ ]، ونزل :﴿ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ ﴾. قاله ابن عباس : و « قرآنه » أي وقراءته عليك، والقراءة والقرآن في قول الفراء : مصدران.
وقال قتادة :« فاتَّبع قرآنه » فاتَّبع شرائعه وأحكامه.
قوله :﴿ وَقُرْآنَهُ ﴾، أي : قراءته، فهو مصدر مضاف للمفعول، وأما الفاعل فمحذوف، والأصل : وقراءتك إياه، والقرآن : مصدر بمعنى القراءة.
وقال حسان رضي الله عنه :[ البسيط ]
٤٩٩٤ - ضَحَّوْا بأشْمَطَ عُنوانُ السُّجُودِ بِهِ | يُقَطِّعُ اللَّيْلَ تَسْبِيحاً وقُرْآنا |
فأما توجيه قوله :« جَمعَهُ وقُرآنهُ » وقوله :« فاتَّبعْ قُرآنهُ » فواضح - كما تقدم - في قراءة ابن كثير في « البقرة »، وأنه هل هو نقل أو من مادة « قرن »، وتحقيق القولين مذكور ثمَّة فليلتفت إليه.
وأما قوله : بفتح القاف والراء والتاء، فيعني في قوله :« فإذا قَرَتَه » يشير إلى أنه قُرىء شاذّاً هكذا.
وتوجيهها : أن الأصل :« قَرَأتَهُ » فعلاً ماضياً مسنداً لضمير المخاطب، أي : فإذا أردت قراءته، ثم أبدل الهمزة ألفاً لسكونها بعد فتحة، ثم حذف الألف تخفيفاً، كقولهم : ولو ترى ما لصبيان، و « ما » مزيدة، فصار اللفظ « قَرَتَهُ ».
فصل في لفظ الآية
قوله :﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ ﴾ أي بمقتضى الوعد عند أهل السنة، وبمقتضى الحكمة عند المعتزلة. « جمعه » في صدرك « وقرآنه » أي : يعيده جبريل عليك حتى تحفظه وتقرأه بحيث لا تنساه، فعلى الأول : القارىء جبريل عليك، وعلى الثاني محمد ﷺ والمراد بقراءته : جمعه كقوله :[ الوافر ]
٤٩٩٥ -.................. | ........... لَمْ تَقْرَأ جَنِينَا |
وقوله :« فاتبع قرآنه » قيل : حلاله وحرامه أو لا تقارئه بل اسكت حتَّى يسكت جبريل فاقرأ أنت، وهو أظهر؛ لأن الآية تدلّ على أنه ﷺ كان يقرأ مع جبريل، وكان يسأله في أثناء قراءته عن المشكلات فنهي عن الأول بقوله « فاتبع قرآنه »، وعن الثاني بقوله :﴿ ثم إن علينا بيانه ﴾.
قوله :﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ أي : تفسير ما فيه من الحدود والحلال، والحرام. قاله قتادة. وقيل :﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ ما فيه من الوعد والوعيد.
وقيل : إنَّ علينا أن نبينه بلسانك. والضمائر تعود على القرآن، وإن لم يجر له ذكر.
وقوله :﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ يدل على أنَّ بيان المجمل واجب على الله - تعالى - أما عند أهل السُّنة فبالوعد والتفضل، وإما عند المعتزلة فبالحكمة. والله أعلم.