﴿ فَلاَ اقتحم العقبة ﴾ [ البلد : ١١ ] ليس من هذا القبيل؛ لأن معناه : فهلا اقتحم، بحذف حرف الاستفهام.
وقال الأخفش :« فلا صدّق » أي : لم يصدق، كقوله تعالى :« فَلا اقْتَحَمَ » أي : لم يقتحم، ولم يشترط أن يعقبه بشيء آخر، والعرب تقول : لا ذهب، أي : لم يذهب، فحرف النفي ينفي الماضي كما ينفي المستقبل، ومنه قول زهير :[ الطويل ]
٥٠١٠ -................... | فَلاَ هُوَ أبْداهَا ولمْ يتقدَّمِ |
فصل في معنى الآية
قال ابن عباس رضي الله عنهما : معناه لم يصدق بالرسالة، « ولا صلى » أي : دعا لربه - تعالى - وصلى على رسوله ﷺ.
وقال قتادة :« فلا صدق » بكتاب الله « ولا صلى » لله تعالى.
[ وقيل : لا صدق بمالٍ ذخراً له عند الله تعالى « ولا صلى » الصلوات التي أمر الله بها.
وقيل : فلا آمن بقلبه ] ولا عمل ببدنه.
قيل : المراد أبو جهل.
وقيل : الإنسان المذكور في قوله :﴿ أَيَحْسَبُ الإنسان ﴾ [ القيامة : ٣ ].
قوله :﴿ ولكن كَذَّبَ وتولى ﴾ الاستدراك هنا واضح؛ لأنه لا يلزم من نفي التصدق والصلاة، التكذيب والتولي لأن كثيراً من المسلمين كذلك فاستدرك ذلك بأن سببه التكذيب والتولي، ولهذا يضعف أن يحمل نفي التصديق على نفي تصديق الرسول - ﷺ - لئلا يلزم التكرار فتقع « لكن » بين متوافقين، وهو لا يجوز.
قال القرطبي : ومعناه كذب بالقرآن، وتولى عن الإيمان.
قوله تعالى :﴿ ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يتمطى ﴾. أي : يتبختر افتخاراً بذلك. قاله مجاهد وغيره.
« يتَمطَّى » جملة حالية من فاعل « ذهب »، ويجوز أن يكون بمعنى شرع في التمطِّي، كقوله :[ الطويل ]
٥٠١١ - فَقامَ يَذُودُ النَّاسَ عَنْهَا بِسْيفهِ... وتمطى - هنا - فيه قولان :
أحدهما : أنه من « المَطَا » وهو الظهر، ومعناه : يَتبختَرُ أي يمد مطاه ويلويه تبختراً في مشيته.
الثاني : أن أصله « يتمطّط » أي يتمدّد، ومعناه : أنه يتمدد في مشيته تبختراً، ومن لازم التبختر ذلك فهو يقرب من معنى الأول، ويفارقه في مادته، إذ مادة « المطا » :« م ط و »، ومادة الثاني :« م ط ط »، وإنما أبدلت الطاء الثانية ياء كراهية اجتماع الأمثال نحو : تطيبت، وقصيت أظفاري، وقوله :[ الراجز ]
٥٠١٢ - تَقَضِّيَ البَازِي إذا البَازِي كَسَرْ... والمطيطاء : التبختر ومد اليدين في المشي، قال رسول الله ﷺ :« المُطَيْطَاءِ وخدَمتهُمْ من فَارِس والرَّومِ كان بَأسهُمْ بَيْنَهُمْ ».
و « المطيط » : الماء الخاثر أسفل الحوض؛ لأنه يتمطّط، أي : يمتدّ فيه.
وقال القرطبي : التمطط : هو التمدد من التكسُّل، والتثاقل فهو متثاقل عن الداعي إلى الحق، والتمطي يدل على قلة الاكتراث.
قوله :﴿ أولى لَكَ فأولى ﴾ تقدم الكلام عليه في أول سورة القتال، وإنما كررها هنا مبالغة في التهديد والوعيد، فهو تهديد بعد تهديد ووعيد بعد وعيد؛ قالت الخنساء :[ المتقارب ]