وقال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - لما قرأ هذه الآية : ليتها تمَّت فلا نبتلى، أي ليت المدة التي أتت على آدم لم يكن شيئاً مذكوراً تمت على ذلك فلا يلد ولا يبتلى، أولاده، وسمع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلاً يقرأ :﴿ هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مِّنَ الدهر لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً ﴾ فقال : ليتها تمّت.
قوله :﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان ﴾. يعني ابن آدم من غير خلاف « من نُطْفَة » أي : من ماء يقطر وهو المنيّ، وكل ماء قليل في وعاء، فهو نطفة؛ كقول عبد الله بن رواحة يعاتب نفسه :[ الرجز ]
٥٠٢٢- مَا لِي أرَاكِ تَكْرَهِينَ الجَنَّهْ | هَلْ أنْتِ إلاَّ نُطفةٌ فِي شَنِّه؟ |
قوله :« أمْشَاجٍ » : نعت ل « نُطْفَةٍ » ووقع الجمع نعتاً لمفرد؛ لأنه في معنى الجمع كقوله تعالى :﴿ رَفْرَفٍ خُضْرٍ ﴾ [ الرحمن : ٧٦ ] أو جعل جزء من النطفة نطفة، فاعتبر ذلك فوصفت بالجمع.
وقال الزمخشري :« نُطْفةٍ أمشاج » كبُرمةٍ أعشارٍ وبُرٍّ أكباش وثوب أخلاق وأرضٍ يباب وهي الفاظ مفردة غير جموع ولذلك وقعت صفات للأفراد، ويقال : نطفة مشج؛ قال الشماخ :[ الوافر ]
٥٠٢٣- طَوتْ أحْشَاءَ مُرْتِجَةٍ لوقتٍ | عَلى مَشجٍ سُلالتُهُ مَهِينُ |
فقد منع أن يكون « أمشاج » جمع « مشج » بالكسر.
قال أبو حيان : وقوله مخالف لنص سيبويه والنحويين على أن « أفعالاً » لا يكون مفرداً.
قال سيبويه : وليس في الكلام « أفْعَال » إلا أن يكسر عيله اسماً للجميع، وما ورد من وصف المفرد ب « أفعال » تأولوه انتهى.
قال شهاب الدين : هو لم يجعل « أفعالاً » مفرداً، إنما قال : يوصف به المفرد، يعني التأويل ذكرته من أنهم جعلوا كل قطعة من البُرْمة بُرْمة، وكل قطعة من البرد برداً، فوصفوهما بالجمع.
وقال أبو حيان :« الأمشاج » : الأخلاط، وأحدها « مَشَج » بفتحتين أو مشج كعدل وأعدال، أو مشيج كشريف وأشراف. قاله ابن العربي؛ وقال رؤبة [ الرجز ]
٥٠٢٤- يَطْرَحْنَ كُلَّ مُعجلٍ مشَّاجِ | لم يُكْسَ جِلْداً مِنْ دمٍ أمْشَاجِ |
٥٠٢٥- كَأنَّ الرِّيشَ والفُوقيْنِ مِنْهُ | خِلافُ النَّصْلِ سيطَ بِهِ مشيجُ |