فجوز أن يكون جمعاً ل « مشيج » كعدل، وقد تقدم أن الزمخشري منع من ذلك.
وقال الزمخشري :« ومشجه ومزجه بمعنى، من نطفة قد امتزج فيها الماءَانِ ».
وقال القرطبي : ويقال : مشجت هذا بهذا أي : خلطته، فهو ممشوج ومشيج، مثل مخلواط وخليط، وهو هنا اختلاط النطفة بالدم، وهو دم الحيض، وذلك أنَّ المرأة إذا بلغت ماء الرجل وحبلت أمسك حيضها، فاختلطت النُّطفة بالدم.
وقال الفراء : أمشاج : اختلاط ماء الرجل وماء المرأة، والدم والعلقة.
روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : الأمشاج في الحمرة، والبياض في الحمرة، وعنه أيضاً قال : يختلط ماء الرجل وهو أبيض غليظ بماء المرأة وهو أصفر رقيق، فيخلق الولد فما كان من عصب وعظم وقوة فهو من ماء الرجل، وما كان من لحم وشعر فهو من ماء المرأة.
قال القرطبي :« وقد روي هذا مرفوعاً؛ ذكره البزار ».
وعن ابن مسعود : أمشاجها عروق المضغة.
وقال مجاهد : نطفة الرجل بيضاء وحمراء، ونطفة المرأة خضراء وصفراء.
وقال ابن عباس : خلق من ألوان، خلق من تراب ثم من ماء الفرج والرحم وهي نطفة ثم علقة، ثم مضغة ثم عظم ثم لحم، ونحوه.
قال قتادة : هي أطوار الخلق : طوراً نطفة، وطوراً علقة، وطوراً مضغة، وطوراً عظاماً، ثم يكسو العظام لحماً.
قال ابن الخطيب : وقيل : إن الله - تعالى - جعل في النطفة أخلاطاً من الطَّبائع التي تكون في الإنسان من الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، والتقدير : من نطفة ذات أمشاج، فحذف المضاف وتم الكلام.
قوله :« نبتليه ». يجوز في هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أنها حال من فاعل خلقنا، أي : خلقناه حال كوننا مبتلين له.
والثاني : أنها حال من الإنسان، وصح ذلك لأن في الجملة ضميرين كل منهما يعود على ذي الحال، ثم هذه الحال أن تكون مقارنة إن كان معنى « نبتليه » نصرفه في بطن أمه نطفة ثم علقة كما قال ابن عباس وأن تكون مقدرة إن كان المعنى نبتليه نختبره بالتكليف؛ لأنه وقت خلقه غير مكلف.
وقال الزمخشري :« ويجوز أن يكون ناقلين له من حال إلى حال، فسمي بذلك ابتلاء على طريق الاستعارة ».
قال شهاب الدين :« وهذا معنى قول ابن عباس المتقدم ».
وقال بعضهم : في الكلام تقديم وتأخير، والأصل : إننا جعلناه سميعاً بصيراً لنبتليه، أي : جعلنا له ذلك للابتلاء، وهذا لا حاجة إليه.

فصل في تفسير قوله تعالى نبتليه


قوله :« نبتليه » : لنبتليه، كقولك :« جئتك أقضي حقك، أي لأقضي حقك وآتيك أستمنحك كذا » ونظيره قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ﴾


الصفحة التالية
Icon