قوله تعالى :﴿ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ ﴾.
قرأ نافع والكسائي، وهاشم وأبو بكر، « سَلاسِلاً » والباقون : بغير تنوين.
ووقف هؤلاء، وحمزة، وقنبل عليه بالألف بلا خلاف.
وابن ذكوان والبزي وحفص : بالألف وبدونها - يعني بلا ألف - والباقون : وقفوا بالألف بلا خلاف.
فقد تحصّل من هذا أن القراء على أربع مراتب، منهم من ينون وصلاً ويقف بالألف وقفاً بلا خلاف وهما حمزة وقنبل، ومنهم من لم ينون ويقف بالألف بلا خلاف، وهو أبو عمرو وحده، ومنهم من لم ينون ويقف بالألف تارة وبدونها أخرى، وهم ابن ذكوان وحفص والبزي، فهذا ضبط ذلك.
فأما التنوين في « سَلاسِل » فذكروا له أوجهاً :
منها : أنه قصد بذلك التناسب؛ لأن ما قبله وما بعده منون منصوب.
ومنها : أن الكسائي وغيره من أهل « الكوفة » حكوا عن بعض العرب أنهم يصرفون جميع ما لا ينصرف إلا « أفعل منك ».
قال الأخفش : سمعنا من العرب من يصرف كل ما لا ينصرف؛ لأن الأصل في الأسماء الصرف، وترك الصرف لعارض فيها، وأن هذا الجمع قد جمع وإن كان قليلاً قالوا :« صواحب وصواحبات »، وفي الحديث :« إنَّكُنَّ لصَواحِباتُ يُوسُف » ؛ وقال :[ الرجز ]
٥٠٢٨- قَدْ جَرتِ الطَّيْرُ أيَامِنينَا | فجمع « أيامن » جمع تصحيح المذكر. |
٥٠٢٩- وإذَا الرِّجالُ رَأوا يَزيدَ رَأيْتهُمْ | خُضعَ الرِّقابِ نَواكِس الأبْصَارِ |
ومنها : أنه مرسوم في إمام « الحِجَاز » و « الكوفة » بالألف، رواه أبو عبيد، ورواه قالون عن نافع، وروى بعضهم ذلك عن مصاحف « البصرة » أيضاً.
وقال الزمخشري : فيه وجهان :
أحدهما : أن تكون هذه النون بدلاً من حرف الإطلاق، ويجري الوصل مجرى الوقف.
والثاني : أن يكون صاحب هذه القراءة ممن ضري برواية الشعر ومرن لسانه على صرف ما لا ينصرف.
قال شهاب الدين :« وفي هذه العبارة فظاظة وغلظة، لا سيما على مشيخة الإسلام، وأئمة العلماء الأعلام، ووقف هؤلاء بالألف ظاهر ».
وأما لمن لم ينونه فظاهر، لأنه على صيغة منتهى الجموع.
وقولهم : قد جمع نحو « صواحبات، وأيامنين » لا يقدح؛ لأن المحذور جمع التكسير، وهذا جمع تصحيح، وعدم وقوفهم بالألف واضح أيضاً. وأما من لم ينون ووقف بالألف فاتباعاً للرسم الكريم كما تقدم.
وأيضاً : فإن الروم في المفتوح لا يجوزه القراء، والقارئ قد يبين الحركة في وقفه فأتوا بالألف ليبين منها الفتحة.
وروي عن بعضهم أنه يقول :« رَأيْتُ عُمَراً » بالألف، يعني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - والسلاسل : جمع سلسلة وهي القيود في جهنم، وقد تقدم الكلام عنها في سورة « الحاقة ».