فصل
اعلم أنه بيّن -هاهنا- حال الفريقين، وأنه تعبد العقلاء، وكلّفهم ومكّنهم مما أمرهم فمن كفر فله العقاب، ومن وحد وشكر فله الثَّواب، والاعتداد هو اعتداد الشَّيء حتى يكون عتيداً حاضراً متى احتيج إليه، كقوله تعالى :﴿ هذا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ﴾ [ ق : ٢٣ ]، والأغلال : جمع غل، تغلّ بها أيديهم إلى أعناقهم. وقد تقدم الكلام في السعير أيضاً.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الأبرار يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ ﴾ الآية. لما ذكر ما أعد للكافرين ذكر ما أعد للشاكرين، والأبرار أهل الصدق، واحدهم : برّ، وهو من امتثل أمر الله تعالى.
وقيل : البر : الموحد، والأبرار : جمع « بار » مثل :« شاهد وأشهاد ».
وقيل : هو جمع « بر » مثل :« نهر وأنهار ».
وفي « الصحاح » : وجمع البر : الأبرار، وجمع البار : البررة، وفلان يبرُّ خالقه ويتبرره أي يطيعه، والأم برة بولدها.
وروى ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي ﷺ قال :« إنَّما سمَّاهُم اللهُ - تَعالَى - الأبْرَارَ؛ لأنَّهُمْ بَرُّوا الآبَاءَ والأبناءَ، كما أنَّ لِوالديكَ عَلَيْكَ حقًّا، كذَلكَ لَوَلدكَ عَليْكَ حقًّاً ».
وقال الحسن : البر الذي لا يؤذي الذَّرَّ.
وقال قتادة : الأبرار الذين يؤدّون حق الله، ويوفون بالنذر، وفي الحديث :« الأبْرَارُ الَّذينَ لا يُؤذُوَن أحَداً ».
﴿ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ ﴾. أي : من إناء فيه الشراب.
قال ابن عباس : يريد الخمر.
والكأس في اللغة : الإناء فيه الشراب، وإذا لم يسمَّ كأساً.
قوله تعالى :﴿ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً ﴾ المزاج : ما يمزج به أي : يخلط، يقال : مزجه يمزجه مزجاً أي : خلطه يخلطه خلطاً.
قال حسان :[ الوافر ]
٥٠٣٠- كَأنَّ سَبيَئةً من بَيْتِ رَأسٍ | يَكونُ مَزَاجهَا عَسلٌ ومَاءُ |
و « الكافور » : طيب معروف، وكأن اشتقاقه من الكفر، وهو الستر لأنه يغطي الأشياء برائحته، والكافور أيضاً : كمائم الشجر الذي يغطّي ثمرتها.
قال بعضهم : الكافُور :« فاعول » من الكفر كالنّاقور من النَّقر، والغامُوس من الغمس، تقول : غامسته في الماء أي : غمسته، والكفر : القرية والجبل العظيم؛ قال :[ الطويل ]
٥٠٣١-............................... | تُطَلَّعُ ريَّاهُ من الكفَرَاتِ |
٥٠٣٢- وكَافرٍ مَاتَ على كُُفْرِهِ | وجَنَّةُ الفِرْدَوسِ للكَافِرِ |
ويقال : كفر الرجل يكفر إذا وضع يده على صدره.