فصل في الآية
قال ابن الخطيب : مزج الكافور بالمشروب لا يكون لذيذاً، فما السبب في ذكره؟.
والجواب من وجوه :
أحدها : قال ابن عباس : اسم عين ماء في الجنة يقال له : عين الكافور أي : يمازجه ماء هذا العين التي تسمى كافوراً في بياض الكافور ورائحته وبرده ولكن لا يكون فيه طعمه ولا مضرته.
وثانيها : أن رائحة الكافور عرض، والعرض لا يكون إلا في جسم، فخلق الله تلك الرائحة في جرم ذلك التراب فسمي ذلك الجسم كافوراً وإن كان طعمه طيباً فيكون ريحها لا طعمها.
وثالثها : أن الله تبارك وتعالى يخلق الكافور في الجنة مع طعم لذيذ ويسلب عنه ما فيه من المضرّة، ثم إنه - تعالى - يمزجه بذلك الشراب كما أنه تعالى يسلب عن جميع المأكولات والمشروبات ما معها من المضرات في الدنيا.
قال سعيد عن قتادة : يمزج لهم بالكافور ويختم بالمسك.
وقيل : أراد بالكافور في بياضه وطيب رائحته وبرده، لأن الكافور لا يشرب، كقوله تعالى :﴿ حتى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً ﴾ [ الكهف : ٩٦ ]، أي : كَنَارٍ.
وقيل : كان في علم الله تعالى، و « كان » زائدة، أي : من كأس مزاجها.
قال القرطبي : ويقال :« كافور وقافور » وهي قراءة عبد الله بالقاف بدل الكاف، وهذا من التعاقب بين الحرفين كقولهم :« عربي فجّ وكجّ ».
ومفعول « يشربون » إما محذوف، أي : يشربون ماء أو خمراً من كأس، وإما مذكور وهو « عيناً »، وإما « من كأس » و « من » مزيدة فيه، وهذا يتمشّى عند الكوفيين والأخفش.
وقال الزمخشري :« فإن قلت : لم وصل فعل الشرب بحرف الابتداء أولاً، وبحرف الإلصاق آخراً؟ قلت : لأن الكأس مبدأ شربهم، وأول غايته، وأما العين فبها يمزجون شرابهم، فكأن المعنى : يشرب عباد الله بها الخمر كما تقول : شربت الماء بالعسل ».
قوله :﴿ عَيْناً ﴾. في نصبها أوجه :
أحدها : بدل من « كافوراً »؛ لأن ماءها في بياض الكافور وفي رائحته وفي برده.
الثاني : أنها بدل من محل « من كأس ». قاله مكي. ولم يقدر حذف مضاف.
وقدر الزمخشري على هذا الوجه حذف مضاف، قال : كأنه قيل : يشربون خمراً، خمر عين. وأما أبو البقاء فجعل المضاف مقدراً على وجه البدل من « كافور ».
قال :« والثاني : بدل من كافور، أي : من ماء عين، أو خمر عين ». وهو معنى حسن.
والثالث : أنها مفعول ب « يشربون » يفسره ما بعده، أي يشربون عيناً من كأس.
الرابع : أن ينتصب على الاختصاص.
الخامس : بإضمار « يشربون » يفسره ما بعده، قاله أبو البقاء. وفيه نظر؛ لأن الظاهر أنه صفة ل « عين » فلا يصح أن يفسر.