قوله تعالى :﴿ يُوفُونَ بالنذر ﴾ يجوز أن يكون مستأنفاً لا محلَّ له ألبتة، ويجوز أن يكون خبراً ل « كان » مضمرة.
قال الفراء : التقدير « كانوا يوفون بالنَّذر في الدنيا، وكانوا يخافُون » انتهى. وهذا لا حاجة إليه.
الثالث : جواب لمن قال : ما لهم يرزقون ذلك؟.
قال الزمخشري :« يوفون » جواب من عيسى يقول : ما لهم يرزقون ذلك؟.
قال أبو حيان :« واستعمل » عسى « صلة ل » من « وهو لا يجوز، وأتى بالمضارع بعد » عسى « غير مقرون ب » أن « وهو قليل أو في الشعر ».

فصل في معنى الآية


معناه : لا يخلفون إذا نذروا، وقال معمر عن قتادة : يأتون بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وغيره من الواجبات.
وقال مجاهد وعكرمة : يوفون إذا نذروا في حق الله تعالى.
وقال الفراء والجرجاني : وفي الكلام إضمار، أي : كانوا يوفون بالنذر في الدنيا والعرب قد تزيد مرة « كان » وتحذف أخرى.
وقال الكلبي :« يُوفُونَ بالنَّذرِ » أي : يتممون العهود لقوله تعالى ﴿ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله ﴾ [ النحل : ٩١ ] و ﴿ أَوْفُواْ بالعقود ﴾ [ المادة : ١ ] أمرٌ بالوفاء بها؛ لأنهم عقدوها على أنفسهم باعتقادهم الإيمان.
قال القرطبي :« والنذر : حقيقته ما أوجبه المكلف على نفسه [ من شيء يفعله، وإن شئت قلت في حد النذر هو إيجاب المكلف على نفسه ] من الطاعات ما لو لم يوجبه لم يلزمه ».
وقال ابن الخطيب : الإيفاءُ بالشيء هو الإتيان به وافياً.
وقال أبو مسلم : النذر كالوعد، إلا أنه إذا كان من العباد فهو نذر، وإن كان من الله فهو وعد، واختص هذا اللفظ في عرف الشرع بأن تقول : لله عليَّ كذا وكذا من الصدقة، أو يسلم بأمر يلتمسه من الله - تعالى - مثل أن تقول : إن شفى الله مريضي، أو ردَّ غائبي فعليَّ كذا وكذا، واختلفوا فيما إذا علق ذلك بما ليس من وجوه البر كقوله : إن أتى فلان الدَّار فعلى هذا، فمنهم من جعله كاليمين، ومنهم من جعله من باب النذور.

فصل في المراد بالإيفاء بالنذر


قال القشيري : روى أشهب عن مالك - رضي الله عنه - أنه قال « يُوفُونَ بالنَّذْرِ » هو نذر العتق، والصيام والصلاة.
وروى عنه أبو بكر بن عبد العزيز قال : قال مالك :« يُوفُونَ بالنَّذرِ » قال : النذر هو اليمين.
قال ابن الخطيب : هذه الآية تدلّ على وجوب الوفاء بالنذر؛ لأنه تعالى قال عقيبه :« ويخَافُونَ يَوْماً » وهذا يقتضي أنهم إنما وفَّوا بالنذر خوفاً من شر ذلك اليوم، والخوف من شر ذلك اليوم لا يتحقق إلا إذا كان الوفاء به واجباً ويؤكده قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon