قال القرطبي : نزلت في جميع الأبرار، ومن فعل فعلاً حسناً، فهي عامة، وما ذكر عن عليٍّ، وفاطمة لا يصح.
وروى جابر الجعفي في قوله تعالى :﴿ يُوفُونَ بالنذر ﴾، عن قنبر مولى علي - رضي الله عنه - قال : مرض الحسن والحسين حتى عادهما أصحاب رسول الله ﷺ فقال أبو بكر - رضي الله عنه - : يا أبا الحسن لو نذرت عن ولديك نذراً، فقال عليٌّ - رضي الله عنه - إن برأ ولدي صمت ثلاثة أيام شكراً.
وقالت فاطمة - رضي الله عنها - مثل ذلك، وقال الحسن والحسين مثل ذلك وذكر الحديث. قال أهل الحديث : جابر الجعفي كذاب.

فصل في الإحسان إلى الغير


قال ابن الخطيب : اعلم أن الإحسان إلى الغير تارة يكون لأجل الله، وتارة يكون لغير الله، إما طلباً لمكافأة أو طلباً لحمدٍ وثناء، وتارة يكون لهما، وهذا هو الشرك، والأول هو المقبول عند الله، وأما القسمان الباقيان فمردودان، قال تعالى :﴿ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بالمن والأذى كالذي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ الناس ﴾ [ البقرة : ٢٦٤ ].
وقال تعالى :﴿ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ الناس فَلاَ يَرْبُو عِندَ الله وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فأولئك هُمُ المضعفون ﴾ [ الروم : ٣٩ ]، ولا شك أن التماس الشكر من جنس المنّ والأذى، إذا عرفت ذلك فنقول : القوم لما قالوا :« إنَّما نُطعِمكُمْ لوجْهِ اللهِ » بقي فيه احتمال، أنه أطعمه لوجه الله ولسائر الأغراض على سبيل التشريك، فلا جرم نفى هذا الاحتمال بقوله تعالى :﴿ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً ﴾.

فصل في الشكر والكفور


الشُّكور والكُفور : مصدران ك « الشكر والكفر » وهو على وزن « الدُّخول والخُروج » هذا قول جمهور أهل اللغة.
وقال الأخفش : إن شئت جعلت الشكور، جماعة الشكر، وجعلت الكفور في قوله تعالى :﴿ فأبى الظالمون إَلاَّ كُفُوراً ﴾ مثل « برد وبرود » وإن شئت جعلته مصدراً واحداً في معنى جمع مثل : قعد قعوداً، وخرج خروجاً.
قوله :﴿ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : إن إحساننا إليكم للخوف من شدة ذلك اليوم لإرادة مكافأتهم.
والثاني : لا نريد منكم المكافأة لخوف عقاب الله تعالى علَّل المكافأة بخوف عقاب الله على طلب المكافأة بالصدقة.
فإن قيل : إنه - تعالى - لما حكى عنهم الإيفاء بالنذر، علَّل ذلك بخوف القيامة فقط، ولما حكى عنهم الإطعام علل ذلك بأمرين : بطلب رضا الله تعالى، وبالخوف، فما الحكمة في ذلك؟.
فالجواب : أن النذر هو الذي أوجبه على نفسه لأجل الله، فلما كان كذلك، لا جرم علله بخوف القيامة فقط، وإما الإطعام فالله - تعالى - هو الذي شرعه، فلا جرم ضم إليه خوف القيامة.
قوله :﴿ يَوْمَاً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ﴾. القَمْطَرِيرُ : الشديد، وأصله كما قال الزجاج :« مشتق من اقمطرّت الناقة إذا رفعت ذنبها، وجمعت قطريها وزمت بأنفها ».


الصفحة التالية
Icon