وقيل : بصبرهم على طاعة الله، وصبرهم عن معصية الله ومحارمه، وهذا يدل على أن الآيات نزلت في جميع الأبرار، ومن فعل فعلاً حسناً.
وروى ابن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عن الصبر، فقال :« الصَّبْرُ عند الصَّدمةِ الأولَى، والصَّبرُ على أداءِ الفَرائضِ، والصَّبرُ على اجتنابِ محارم اللهِ تعالى، والصَّبرُ على المَصائبِ ».
قوله تعالى :﴿ جَنَّةً وَحَرِيراً ﴾. أي : أدخلهم الجنة وألبسهم الحرير.
قوله :﴿ مُّتَّكِئِينَ ﴾. حال من مفعول « جزاهم » والعامل فيها « جزى » ولا يعمل فيها « صبروا »؛ لأن الصبر إنما كان في الدنيا والاتِّكاء في الآخرة.
وقرأ علي - رضي الله عنه - « وجازاهم ».
وجوَّز أبو البقاء : أن يكون صفة ل « جَنَّةً ».
وهذا لا يجوز عند البصريين؛ لأنه كان يلزم بروز الضمير، فيقال :« مُتَّكِئِينَ هُمْ فِيهَا » لجريان الصفة على غير من هي له.
وقد منع مكي أن يكون « متكئين » صفة ل « جنة » لما ذكرنا من عدم بروز الضمير.
وممن ذهب إلى كون « متكئين » صفة ل « جنة »، الزمخشري، فإنه قال :« ويجوز أن يكون مُتَّكينَ، ولا يَروْنَ، ودَانيةً، كلها صفات الجنة ». وهو مردود بما تقدم.
ولا يجوز أن يكون « متكئين » حالاً من فاعل « صبروا »؛ لأن الصبر كان في الدنيا، واتكاؤهم إنما هو في الآخرة. قال معناه مكي.
ولقائل أن يقول : إن لم يكن المانع إلا هذا فاجعلها حالاً مقدرة، لا ما لهم بسبب صبرهم إلى هذه الحالة، وله نظائر.
قال ابن الخطيب : وقال الأخفش : وقد ينصب على المدح والضمير في « فيها » أي في الجنة وقال الفراء : وإن شئت جعلت « متكئين » تابعاً، كأنه قال : جزاؤهم جنة متكئين فيها.
والأرائك : السُّرُر في الحجال، وجاءت عن العرب أسماء تحتوي على صفات : إحداها الأريكة لا تكون إلاَّ حجلة على سرير. وثانيها : السَّجل، وهو الدلو الممتلئ ماء، فإذا صفرت لم تسم سجلاً، وكذلك الذنُوب لا تسمى ذَنوباً حتى تملأ، قاله القرطبي.
وهذا فيه نظر، لأنه قد ورد في شعر العرب يصف البازي؛ قال :[ الكامل ]

٥٠٤٢-................................ يَغْشَى المُهَجْهِجْ كالذَّنُوبِ المُرسَلِ
يعني الدَّلو إذا ألقي في البئر، وهو لا يلقى في البئر إلا إذا كان فارغاً.
قال : والكأس لا تسمى كأساً حتى تُترعَ من الخمر، قال : وكذلك الطبق الذي تهدى فيه الهدية إذا كانت فيه يسمى مِهْدًى، فإذا كان فارغاً يُسمَّى طبقاً أو خواناً.
قال ابن الأعرابي : مِهْدى - بكسر الميم -، ولا يسمى الطبق مهدى إلا وفيه ما يهدى، والمهداء - بالمد - الذي من عادته أن يهدى.


الصفحة التالية
Icon