وقرأ علي، وابن عباس، والسلمي، والشعبي، وزيد بن علي، وعبيد بن عمير، وأبو عمرو في رواية الأصمعي :« قُدِّروها » بضم القاف وكسر الدال مبنياً للمفعول أي : جعلت لهم على قدر إرادتهم.
وجعله الفارسي من باب المقلوب، قال : كان اللفظُ قدروها عليها، وفي المعنى قلب؛ لأن حقيقة المعنى أن يقال : قدرت عليهم، فهي مثل قوله تعالى :﴿ لَتَنُوءُ بالعصبة أُوْلِي القوة ﴾ [ القصص : ٧٦ ]، ومثل قول العرب : إذا طلعت الجوزاء، ألقى العود على الحرباء.
قال الزمخشري : ووجهه أن يكون من قدر منقولاً، تقول : قدرت الشيء وقَدّرَنِيهِ فلان : إذات جعلك قادراً له، ومعناه : جعلوا قادرين لها كما شاءوا وأطلق لهم أن يقدروا على حسب ما اشتهوا.
وقال أبو حاتم : قدرت الأواني على قدر ريهم ما لم يسمَّ فاعله فحذف الري فصارت الواو مكان الهاء والميم لما حذف المضاف مما قبلها، وصارت الواو مفعول ما لم يسم فاعله، واتصل ضمير المفعول الثاني في تقدير النصب بالفعل بعد الواو التي تحولت من الهاء والميم حتى أقيمت مقام الفاعل.
وفي هذا التخريج تكلف مع عجرفة ألفاظه.
وقال أبو حيان : والأقرب في تخريج هذه القراءة الشاذة أن يكون الأصل : قدر ريهم منها تقديراً، فحذف المضاف وهو الري، وأقيم الضمير بنفسه، فصار قدروها، فلم يكن فيه إلا حذف مضاف، واتساع في الفعل.
قال شهاب الدين : وهذا منتزع من تفسير كلام أبي حاتم.
وقال القرطبي : وقال المهدوي : من قرأها « قدروها » فهو راجع إلى معنى القراءة الأخرى، وكأن الأصل : قدروا عليها، فحذف حرف الجر، والمعنى : قدرت عليهم؛ وأنشد سيبويه البيت [ البسيط ]

٥٠٤٧- آلَيْتُ حَبَّ العِرَاقِ الدَّهْرَ آكُلُهُ والحَبُّ يأكُلهُ في القَرْيَةِ السُّوسُ
وذهب إلى أن المعنى : على حبّ العراق، وقيل : هذا التقدير : هو أن الأقداح تطير فتغرف بمقدار شهوة الشَّارب، وذلك قوله تعالى :﴿ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً ﴾.
أي : لا يفضل عن الري ولا ينقص منه، فقد ألهمت الأقداح معرفة مقدار ري المشتهي حتى تغترف بذلك المقدار. ذكر الحكيم الترمذي في « نوادر الأصول ».
قوله :﴿ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً ﴾. وهي الخمر في الإناء ﴿ كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً ﴾، « كان » صلة، أي : مزاجها زنجبيل، أو كان في حكم الله زنجبيلاً، وكانت العرب يستلذُّون من الشراب ما يمزج بالزنجبيل لطيب رائحته؛ لأنه يحذو اللسان، ويهضم المأكول، ويحدث في المشروب ضرباً من اللّذع، فرغبوا في نعيم الآخرة بما اعتقدوه نهاية النعمة والطيب.
والزنجبيل : نبث معروف؛ وسميت الكأس بذلك؛ لوجود طعم الزنجبيل فيها؛ وأنشد الزمخشري للأعشى :[ المتقارب ]
٥٠٤٨- كَأنَّ القَرنْفُلَ والزَّنْجَبِي لَ بَاتَا بِفيهَا وأريْاً مَشُورا
وأنشد للمسيب بن علس يصف ثغر امرأة :[ الكامل ]
٥٠٤٩أ- وكَأنَّ طَعْمَ الزَّنْجبيلَِ بِهِ إذْ ذُقْتُهُ وسُلافَة الخَمْرِ
ويروى : وسلافَةُ الكَرْمِ.
وقال مجاهد :« الزنجبيل » اسم للعين التي منها مزاج شراب الأبرار، وكذا قال قتادة : وقيل : هي عين في الجنة يوجد فيها طعم الزنجبيل.


الصفحة التالية
Icon