فالجواب : أن المقصود بيان أن الناس محتاجون إلى مواصلة التنبيه والإرشاد لأجل ما تركب فيهم من الشهوة الداعية إلى الفساد، وأن أحداً لو استغنى عن توفيق الله - تعالى - وإرشاده لكان أحق الناس به هو الرسول المعصوم - ﷺ - ومتى ظهر ذلك عرف كل مسلم أنه لا بدَّ من الرغبة إلى الله - تعالى - والتضرع إليه أن يصونه عن الشُّبهات والشَّهوات.
فإن قيل : ما الفرقُ بين الآثم والكفور؟.
فالجواب : أن الآثم هو الآتي بالمعاصي أيِّ معصيةٍ كانت، والكفُور : هو الجاحد للنعمة، فكل كفور آثم، وليس كل آثم كفوراً، لأن الإثم عام في المعاصي كلها، قال الله تعالى :﴿ وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدِ افترى إِثْماً عَظِيماً ﴾ [ النساء : ٤٨ ].
فسمى الشرك آثماً، وقال تعالى :﴿ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشهادة وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ [ البقرة : ٢٨٣ ] وقال تعالى :﴿ وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإثم وَبَاطِنَهُ ﴾ [ الأنعام : ١٢٠ ]، وقال تعالى :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ [ البقرة : ٢١٩ ]. قد نزلت هذه الآيات على أن الإثم جميع المعاصي.
قوله تعالى :﴿ واذكر اسم رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾. أي : صلِّ لربِّك أول النَّهار وآخره ففي أوله صلاة الصُّبح والظهر والعصر، وهو الأصيل، ﴿ وَمِنَ الليل فاسجد لَهُ ﴾ يعني صلاة المغرب والعشاء الآخرة، ﴿ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ﴾ يعني التَّطوع فيه. قاله ابن حبيب.
وقال ابن عباس وسفيان : كل تسبيح في القرآن فهو صلاة.
وقيل : هو الذِّكْر المطلق، سواءٌ كان في الصَّلاة أو في غيرها.
وقال ابن زيد وغيره : إنَّ قوله تعالى :﴿ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ﴾ منسوخ بالصلوات الخمس.
وقيل : هو ندب.
وقيل : هو مخصوص بالنبي ﷺ.
وجمع الأصيل : الأصائل، والأصل، كقولك : سفائن وسفن، والأصائل : جمع الجمع، ودخلت « من » على الظرف للتبغيض، كما دخلت على المفعول في قوله تعالى :﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ ﴾ [ الأحقاف : ٣١ ].
قوله :﴿ وَسَبِّحْهُ ﴾ فيه دليل على عدم صحة قول بعض أهل المعاني والبيان، أن الجمع بين الحاء والهاء - مثلاً - يخرج الكلمَ عن فصاحتها، وجعلوا من ذلك قوله :[ الطويل ].
٥٠٥٠- كريمٌ مَتَى أَمْدحْهُ والوَرَى | مَعِي وإذَا ما لُمْتُهُ لُمْتُهُ وَحْدِي |